Translate

السبت، 26 يوليو 2014

بئر الذكريات ...اصدار ثان



لا تجد رأسها اي راحة علي اي وضع. لا علي جانبي خديها الذي تسلمه للحشية التي قسا قلبها القطني فاصبح كالحجر ولا لرأسها الذي تطن في جنباته أزيز المروحة القديمة التي لا تطفق رئتيها سوي هواء يشبه فحيح الأفاعي.
تنظر للشباك المغلق وتعاود النظر الي الدولاب. طاقة الشباك ارتفعت في السقف فشعرت كأنها سجينة الغرفة. الباب المغلق يكرس لعزلة قلبها في البيت.
تحاول عبثا أن تغفو قليلا. استيقظت علي جلبة المنزل باكرا وترديدات محفوظة يلفظها أصحابها في وجهها كما يبصقون ... لا حياة ... لا مبالاة. تعلقت صغيرتها برقبتها تمنحها بعض الأمان اللحظي. تستمر الجلبة تكتم علي أنفاسها بعد قليل صمتٌ كصمت القبور ....
 لاذت كنتها بالغرفة الاثيرة في البيت المهدم  ...استحوذت عليها وأعلنتها ملكية خاصة لبعض ايام .. لا مجال للصراعات الأنثوية هنا .. كانت الغرفة دائماً لها باعتبارها المفضلة لكنها تدرك أنها لم تعد كذلك ...٠بالتأكيد لم تعد كذلك.
استسلمت لوضعها الجديد غير آبهة. لم يعد لديها بعد كل هذه السنوات رغبة في أن تترك انطباعا روادتها رغبة قوية أن تغرق في طي النسيان...
لكن بئر الذاكرة ينفتح علي مصراعيه ... ضفائرها المقعوصة بعناية بالشرائط الحمراء الجديدة والثوب الذي سهرت امها حتي الفجر كي تضع اللمسات الاخيرة عليه يقف امام عينيها في فجور معلقا علي باب الدولاب ... أعتصرتها حسرة علي غياب صاحبة الخاتم الوردي 

الأربعاء، 28 مايو 2014

أخطاء السيسي القاتلة



أخطاء السيسي القاتلة  

مازال بمقدور وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي الفوز بانتخابات الرئاسة بأغلبية مريحة. ولكن يبقي ما حدث في اليوم الاول والثاني من الانتخابات الرئاسية أمرا يجب التوقف أمامه … ولابد أن السيسي وفريقه الرئاسي ( إن كان له فريق حقا) قد اسقط في أيديهم وجاءت لهم الريح بما لا تشتهي السفن. فجميع الحسابات تغيرت وتبدلت وما كان يظنون أنه بأيديهم لم يعد كذلك. 
لقد وضع السيسي نصب عينيه منذ بداية ترشحه أن يحرز من الأصوات ما يفوق ما حصل عليه الرئيس المعزول محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢ وهو ما يزيد قليلا عن  ١٣ مليون ناخب. وكان الهدف من ذلك حسبما أعلن أن يؤكد على شرعية ما حدث الثالث من يوليو وأنه جاء نتيجة حتمية للضغط الشعبي الكبير في الثلاثين من يونيو والذي طالب باجراء انتخابات رئاسية مبكرة . وليس كما يصوره الكثيرون من المعلقين في الغرب - أنه "إنقلاب عسكري"
لكن السيسي لم يكتف بذلك ولكنه حدد رقم معين وهو أربعين مليون صوت كان يسعي للحصول عليها. ولا تسعفني ذاكرتي الانسانية أو الصحفية على تذكر أن مرشحا قد حدد سلفا قبل أي انتخابات عدد الناخبين الذي "يجب" أن يصوت له. اللهم إلا إذا كان الرجل يتصور أن التعامل مع الشعوب هو تعامل مع كتيبة في الجيش. ولا أعرف كيف لرجل قضي سنوات طويلة من الخدمة في المخابرات قد خانه التقدير لهذه الدرجة التي أهلته للحديث بتلك الثقة عن خروج أربعين مليون شخص لتأييده في الانتخابات الرئاسية. وهو رقم لن يحصل عليه السيسي بالتأكيد في هذه الانتخابات ولن يحصل عليه أي مرشح أخر مهما كانت الشعبية التي يتمتع بها. وأحسب أن الثقة الزائدة في الشعبية اغرت السيسي بالحديث عن هذا الرقم فتغاضي عن بقية الصورة. ونسي أو تناسي أن ليس الشعب المصري بأكمله قد اصطف وراءه. وهناك من لقد نسي السيسي أن تيار الأخوان له قاعدة شعبية لا يستهان بها. كما أنه يتحمل شاء أم أبي تبعات ما يحدث في المرحلة الانتقالية التي تلوثت بكثير من الدماء والمظالم. 
أما الخطأ الثاني القاتل فهو فشل السيسي فشلا ذريعا في كسب ود شباب الثورة بل تعامل معهم بأسلوب الأب الذي "يقوم سلوك أولاده بالضرب العنيف". وكان لتكرار مشاهد اعتقال وسجن وتشويه الكثير من رموز شباب الثورة - والتي تحمل السيسي وزرها تلقائيا- بالغ الاثر في حملة المقاطعة التي اختارها العديد منهم طواعية من دون ترتيب مسبق . 
لم يكن من الممكن أن يمر اعتقال وسجن كثير من رموز الثورة مرور الكرام و لم يكن من الممكن أن يشارك هؤلاء الشباب في الانتخابات الرئاسية - والكثيرون منهم كانوا مؤيدين لتحرك الثلاثين من يونيو بعد ما حدث بعد ذلك من تجاوز وتجاهل واعتقال وتشويه. 
لقد اختصر السيسي عليهم الطريق ولم يجعلهم حتي في حيرة من أمرهم حتي أن أحدا لم يطرح السؤال الذي لازم الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ هل نعصر ليمون؟ ونأخذ خيار المضطر.  كانت القضية محسومة والود بين شباب الثورة والسيسي مفقودا ولم يبذل الرجل جهدا لتبديل الوضع سوي بالحديث بكلام أجوف عن أن الشباب في قلب المستقبل. بينما استمرت الاعتقالات بمقتضي قانون منع التظاهر وحجة ملاحقة العناصر الارهابية حتي الساعات الاخيرة من انطلاق السباق الانتخابي. كما جاء حكم حظر جماعة ستة أبريل واتهامهم بالعمالة لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير. 
وحتي في الحوارات القليلة التي أدلي بها-  ابدي وزير الدفاع السابق عزمه على السير قدما فيما سعي إليه من منع التظاهرات وفرض المزيد من القيود على مواقع التواصل الاجتماعي. ونسي السيسي وفريقه الانتخابي أنه ليس بوسعه أن يستغني عن قطاع الشباب في بلد أربعين في المائة من سكانه تحت سن الاربعين وتسعة وعشرين في المائة منهم تحت سن التاسعة والعشرين.
والحقيقة أن السيسي لم يسع لكسب ود الشباب أو غير الشباب وهذا هو الخطأ الثالث الذي وقع فيه فالرجل كان يردد دوما أنه لم يسع للرئاسة ولم يكن يرغب فيها وإنما جاء بناء على "استدعاء" من الشعب و"تكليف" منه. فتعامل مع الشعب المصري بطريقة "الغاوي ينقط بطاقيته" فلم يقم مؤتمرا شعبيا  واحدا خلال حملته الانتخابية التي لم أفهم أبدا ما هو مغزاها طالما أنه رفض الاعلان عن برنامج انتخابي واضح كما أنه لم يقبل الدخول في مناظرة مع خصمه الوحيد حمدين صباحي وأكتفي عوضا عن ذلك بالخروج إلي الشعب عبر شاشات التلفزيون في برامج كانت معدة سلفا بل إن إخراجها كان أقرب إلي الدعاية المباشرة منه إلي الحوار البناء. وهنا مكمن الخطأ القاتل الرابع للمشير السيسي. 
فالآلة الاعلامية الجهنمية لم تتوقف عن تفخيم ذات السيسي منذ اليوم الأول لعزل مرسي وتصويره على أنه المنقذ الوحيد لمصر من "شر الاخوان" وأن على مصر أن ترد الجميل وتطالب السيسي بخوض الانتخابات الرئاسية ليتوج ما فعله من الخلاص من الإخوان و"يتم جميله". لم يكن هناك سرا في أن الاعلام الخاص الذي يسيطر عليه رجال الأعمال قد فرض نفسه تقريبا على السيسي وعلى برنامجه وعلى شخصه تحقيقا لمصالح خاصة . واثبات أنهم "رجال الرئيس" وزينوا له بقدر لا يستهان به من الغباء كل ما قاله وكل ما فعله. بل وقاموا بتغذيه النعرات الشوفينية التي تجرم كل ما يخالفهم في الرأي أو يوجه انتقادا للسيسي. وخرجوا تارة بمسلسلات سيديهات شباب الثورة وتارة أخري بمؤامرة أبلة فاهيتا وأخيرا بنموذج سيدة "شت أب يور ماوس أوباما". أشياء جميعها كان ينافي المنطق والعقل واستهلكت الوقت والجهد في متاهات كان بالامكان تفاديها بقليل من الحكمة وقليل من الصدق مع النفس. فسقط السيسي بسيف الإعلام كما سقط الاخوان بسيف الدين. 
ليس أمام السيسي وقتا لكي يضيعه وإذا كان حقا يريد أن يبدأ حقبته الرئاسية بشكل واع ولائق عليه أولا أن يستدعي حكماءه كي يستعرض أخطاءه بامانة ونزاهة وشفافية بدلا من التدليس والتهوين .. عليه يستوعب أول درس في السياسة من الشعب المصري. 

الثلاثاء، 20 مايو 2014

ثورة الهوامش ..شت أب يور ماوس



ثورة الهوامش …. شت أب يور ماوس 

هل تتذكرون المشهد الدرامي المؤثر في فيلم "خلي بالك من زوزو" والذي قام فيه مجموعة من البنات والشباب من طبقة ارستقراطية بدعوة تحية كاريوكا الراقصة العجوز لاحياء حفلة حتي يجعلوا منها أضحوكة ويسخروا منها ومن ابنتها التي قامت بدورها الجميلة الراحلة سعاد حسني والتي تخلع ملابس الهوانم وتبدأ في الرقص أمامهم وهي في الحقيقة لم تتعري لترقص أنما كانت تُعري شلة طبقة الارستقراطية من زيفهم وتجردهم من الأنسانية… 
هذا المشهد تكرر بحذافيره في منتدي دبي للاعلام الذي وجه الدعوة للسيدة المصرية البسيطة مني البحيري للمشاركة في المنتدي بدعوي أنها تمثل ما وصف بثورة الهوامش في الإعلام. ومني البحيري لمن لا يعرف هي تلك السيدة المصرية البسيطة التي اشتهرت بفيديو "أوباما شت أب يور ماوس" حيث وجهت رسالة إلي الرئيس الامريكي تدعوه فيها إلي عدم التدخل في الشأن المصري أصرت أن تكون باللغة الأنجليزية حتي تصل الرسالة إليه . 
مني هذه السيدة البسيطة الحاصلة علي دبلوم تجارة هي مثال لما نسميه إعلاميا "رجل الشارع". فهي تتمتع بتلقائية وعفوية وبساطة متناهية في عرض قضيتها. وبالطبع هذا هو المحتوي الذي ينبغي لأي إعلامي محترم أن يركز عليه. فمبادئ الإعلام الراقي -كما تعلمتها-  تقتضي أن نفكر في المحتوي وتفاعل المتلقي معه وجزء من تفاعل المتلقي مع المحتوي هو التوحد مع الشخصية المحورية. وعلى ذلك فاستقراء رأي رجل الشارع يعد أضافة ثرية ومهمة لأي محتوي إعلامي. 
لكن ما حدث مع مني البحيري غير ذلك. فبدلا من التركيز على عرض قضيتها ورأيها بشكل مهني بدأ الإغراق في التركيز على الطرفة والدعابة في كلامها ألا وهو عدم اتقانها اللغة الانجليزية والجسارة التي تتحدث بها التي تثير قدرا من الانبهار الممزوج بالسخرية. التعامل مع هذا العنصر بشكل عرضي يمكن أن يكون عنصرا جذابا في الإعلام لبعض الوقت وفي الوهلة الأولي حيث لا توجد شبهة استغلال لهذا الجانب وهذا الجانب دون غيره. 
وقد تابعت مثل الملايين المصريين "مني" التي اصبحت تلقب بالسيدة الخضراء نسبة إلي الخمار الذي ترتديه دوما والذي تقول إنها لا تملك غيره بقدر كبير من الدعابة بل وضحكت مثل الكثيرين على طريقتها الجسورة فى الحديث باللغة الانجليزية التي كسرت كل قواعدها و"براءة الأطفال في عينيها" … كل هذا في حدود المقبول والمعقول. وحتي ما قامت به بعض القنوات الفضائية من استضافة السيدة مني في إطار الفضول الكبير الذي رافق الفيديو المنشور لها يبقي معقولا ومقبولا وتحويل حوارها إلي "كوميكس" هو نتاج طبيعي لثورة المحتوي الإعلامي. 
لكن غير المقبول ولا المعقول والذي ينتهك ليس فقط ابسط القواعد الإعلامية المحترمة ولكن أبسط القواعد الإنسانية هو أن يتم استغلال هذه السيدة لتلعب دور "الأراجوز" أو "القرد أبو صديري" كي يتضاحك عليها من يفترض فيهم أنهم إعلاميون أصحاب مهنة ذات قيمة. ولم اتمالك شعوري بالصدمة حين رأيت الإعلامي اللبناني المعروف نيشان ديرهاروتيونيان يقف بجوارها وهي تدلي ب "حديث صحفي " ليضحك عليها ويتغامز من خلفها في مشهد رخيص أساء إليه كثيرا إعلاميا وإنسانيا أيضا. 
والمثير للأسى أن السيدة "مني غانم المري" المدير العام للمكتب الإعلامي في حكومة دبي ورئيس اللجنة العليا المنظمة لمنتدي الإعلام العربي عندما سئلت عن مغزي استضافة مني البحيري أمعنت في التبرير لهذه السقطة بالقول إنها جاءت في إطار ندوة ثورة الهوامش وأنها ـ أي مني البحيري - سوف تتواجد ولن تشارك في جلسات المنتدي كونها "ظاهرة" افرزها الإعلام الجديد وجعل منها نجمة في الوقت الراهن !!
ولدي عدد من الأسئلة في صميم مهنة الإعلام إذا ما كانت جحة "مني المري" هي الإعلام وخدمة الإعلام وفتح نقاش ثري للظواهر الإعلامية… ما هي القيمة الإعلامية لوجود مني البحيري في المنتدي ؟ ولماذا كان من الضروري أن تتواجد مني البحيري بنفسها في ندوة كان من الممكن ببساطة أن تناقش الموضوع دون وجود "الجثة" كما نقول ؟ ولماذا وكيف اقنعتم هذه السيدة بأنها أصبحت نجمة ومحط اهتمام كبير وأنها أصبحت إعلامية يشار إليها بالبنان لتقف في وسط بهو قاعات المنتدي لتدلي بدلوها وتكرر أرائها السياسية الذي باتت مقتنعة أنها ذات قيمة كبري؟  ولماذا سمحت لأنفسكم باستغلال هذه السيدة المصرية إنسانيا واستغلال بساطتها وسذاجتها؟ وما هو المبرر الأخلاقي لذلك ؟ 
والسؤال الأهم كيف سمحت مصر ورئيس وزراءها إبراهيم محلب الذي شارك في المنتدي بأن يتم اختصار مصر إعلاميا ومهنيا في محفل مهم مثل منتدي دبي بهذا الشكل ؟  ومن المسؤول عن تمرير مثل هذه المشاركة الرخيصة في منتدي عربي يؤم مئات من الإعلاميين من شتي أنحاء العالم؟ 
أقولها بصوت عال … أيها الإعلاميون الذين اختصرتم مصر والإعلام فيها في ثورة الهوامش شت أب يور ماوس.   

الاثنين، 5 مايو 2014

كيف يسقط الساسة على سيف المتاجرة بالعنصرية


كيف يسقط الساسة على سيف المتاجرة بالعنصرية 
عندما سألت السيناتور كيث إليسون ..أول نائب مسلم في الكونجرس الأمريكي لماذا يثير الكثير من الجدل حوله ويخوض في قضايا شائكة يتجنبها الكثيرون من الساسة قال لي جملة مازلت عالقة في ذهني … "السياسي الذي يحاول خداع الناخبين ويغشهم ويحاول إخفاء الحقائق وتجنب المواجهة سياسي فاشل ويقدم مستوي ضعيف ومتواضع في مجال الخدمة العامة. المجتمع الذي يلتزم بمبدأ العدالة للجميع يجب على أن يؤمن بهذه الافكار بكاملها دون انتقاء بعضها." 
لم أنس هذه العبارة أبدا. وتذكرتها مجددا وأنا أقرأ قبل أيام تصريحات السياسي البريطاني ديفيد بيشوب والتي قال فيها معتذرا " لقد أدركت الآن أن من يتصدي للعمل العام عليه أن يثبت جدارة ويسعي إلي توحيد المجتمعات لا أن يفرقها. أرجو أن يغفر لي أهالي دائرتي الافتقار إلي صواب الحكم". 
كان هذا جزءا من بيان الأستقالة من العمل السياسي الذي تقدم به "بيشوب" الذي اعتذر بشكل واضح لا ريب فيه عما وصفه هو شخصيا ب " الإساءة الحقيقية" التي ارتكبها وقال إنه لن يتنظر من أبناء دائرة "برنت وود ساوث" في مقاطعة إيسكس أن يمنحوه أصواتهم في الانتخابات المحلية الحاسمة التي ستجري في الثاني والعشرين من شهر مايو الجاري. 
أما "الجريمة الإنتخابية" التي ارتكبها ديفيد بيشوب فكانت تغريدتين علي توتير.. نعم تغريدتين فقط لا غير خسر الرجل بسببهما مستقبله السياسي وعضوية حزب المحافظين الشريك الأكبر في الإئتلاف الحكومي البريطاني. 
الأولي كانت "مزحة سخيفة" تهكم فيهاعلى المثليين جنسيا" ثم اعقبها بتغريدة أخري في السابع والعشرين من إبريل (أي بعد يومين فقط من تسميته مرشحا في انتخابات البلدية عن حزب المحافظين) قال فيها إن "الإسلام هو دين السلام والأغتصاب" في إشارة لاعتقال أربعة رجال مسلمين متهمين باغتصاب فتاة في الرابعة عشرة من عمرها.  وكانت التغريدة الثانية هي التي كلفت بيشوب الكثير. 
ربما لم ينتبه حزب المحافظين إلي التغريدة الأولي التي كتبها بيشوب عن المثليين جنسيا والتي كتبها في الثالث عشر من شهر ابريل الماضي. أي قبل إعلان ترشيحه ممثلا عن الحزب لكنه بمجرد إعلان ترشيحه نظر إليه الجميع بنظرة مختلفة وكانت التوقعات منه تلقائيا أن يتحلي بقدر من المسؤولية المجتمعية كسياسي حتي ولو كان على مستوي محلي. 
لم يلتفت الحزب إلي كون "ديفيد بيشوب" يعمل DJ في أحدي الأذاعات المحلية ولم يتحدث الناس عن إن عمله في مهنة ترفيهية تقلل من شأنه في المجتمع ولا تسمح له بأن يكون له عمل جاد مثل العمل السياسي. ولم يطلب منه أحد أن يتخلي عن وظيفته التي يتقاضي منها راتبه لكن عمله العام كان بالتأكيد شأنا يخص الجميع دون استثاء .. الحزب …المجتمع ….الإعلام … ومتابعي الرجل على توتير. 
ولقد دخلت بالفعل على حساب ديڤيد بيشوب على موقع توتير في محاولة مني للتعرف على جوانب أخري من شخصيته فوجدت أن الحساب قد تم حذفه تماما. لكن بقيت ردود الفعل الغاضبة على تغريداته موجودة واللافت أن معظمها كانت من غير المسلمين. قالت له أحدي المتابعات وتدعي "ڤايوليت" : أرجو أن تكون قد تعلمت الدرس أن التنميط ووصم الآخرين في المجتمع لا يمكن أن تؤدي إلي التفرقة. أتمني لك التنوير والسلام والحب. وقال متابع أخر يدعي أنتوني ويعيش في نفس دائرته الأنتخابية مستنكرا : "الإسلام دين الأغتصاب؟ هل لديك أدني فكرة عن الجرائم التي ارتكبت زورا باسم المسيح؟" وبالطبع كانت هناك العديد من الردود التي وجهت الأتهام لديفيد بيشوب بالعنصرية والأنحياز ضد الأقلية كما كان هناك اتهامات إلي حزب المحافظين بإساءة اختيار مرشحيهم علي الرغم من التعامل الحاسم والسريع للحزب مع الرجل. 
لم يكتف حزب المحافظين بالاعتذار الذي قدمه ديفيد بيشوب دون أي تحفظ وأنه تنازل عن الترشح ممثلا عن بل خرج "جون كرسلاك" رئيس المجموعة التي تضم الدائرة الانتخابية ليؤكد على أن " الأمر تم التعامل معه بسرعة وبشكل حاسم بما يخدم مصالح دائرة برينت وود وحزب المحافظين". وأضافت لويز ماكنلي بالقول إن "آراء السيد بيشوب تخصه لوحده ولا مكان لها في الفريق. لقد أتخذ القرار الصحيح
لم استغرب كثيرا ردود الفعل السريعة التي جاءت من حزب المحافظين بطرد الرجل من قائمة المرشحين بل وحرمانه من عضوية الحزب. فهذه الإنتخابات مهمة للغاية وحاسمة وتعتبر امتحانا كبيرا للائتلاف الحكومي الذي لا يعرف أحد كيف يقيمه رجل الشارع في بريطانيا. فالائتلاف بدأ ب" كوراث انتخابية" ثم نجح في استعادته توازنه خلال الاشهر القليلة الماضية وتمكن من إحراز " نجاحات إقتصادية" بتقليل العجز في الموازنة ونسبة البطالة. وهذا هو الاهتمام الأكبر بالنسبة للناس العاديين. 
لكن التهديد الأكبر بالنسبة لحزب المحافظين  الذي يميل إلي سياسات يمين الوسط هو حزب بريطانيا المستقلة UKIP الذي بات يؤرق الكثيرين من الليبراليين في المجتمع البريطاني لصعود نجمه في الأونة الأخيرة والذي يتوقع له الكثير من المراقبين أن يحقق نجاحات كبيرة في الانتخابات المحلية التي ستجري في الثاني والعشرين من مايو ليدخل من هذه البوابة إلي البرلمان الأوروبي. 
لا يشك الكثيرون في الدوافع " الخبيثة" لحزب بريطانيا المستقلة وميله نحو العنصرية وهي تهمة لا يتهاون معها الكثيرون في المجتمعات الأوروبية. وهذا هو السبب بالتحديد الذي جعل الحزب يوقف عضوية "هاري پاري" الطامح للفوز بدائرة أوفرتون بعد أن ارتكب "جريمة انتخابية" تماثل جريمة ديڤيد بيشوب حيث قال على حسابه على توتير إن "الإسلام شر والمثلية الجنسية أمر حقير". وهاري پاري ليس المرشح الأول الذي يتم منعه من الترشح للانتخابات نائبا عن حزب UKIP. فقد اضطر مرشح أخر هو ويليام هينوود إلي التخلي عن طموحه السياسي بعد أن تهكم أيضا علي حسابه علي توتير علي الممثل الكوميدي الأسود "ليني هنري" الذي طالب بوجود المزيد من الوجوه السمراء في الصناعات الابتكارية. فما كان من ويليام هينوود أن رد بتغريدة قال فيها إن على"ليني هنري" أن يهاجر إلي بلد أسود كما شبه الإسلام بالرايخ الثالث. 
والأسوأ من ذلك أنه حين سأل عن تغريداته قال هينوود في أحد برامج بي بي سي "إذا جاء السود إلي هذه البلد ولم يختلطوا بالمواطنين البيض لماذا يعيشون هنا وإذا كان ليني هنري يرغب أن يري الكثير من السود حوله لماذا لا يذهب ليعش في بلد مواطنيه من السود؟ " 
أثارت هذه التعليقات زوبعة من الادانة من الأحزاب الأخري بدأت بوزير الصحة عن حزب المحافظين چيريمي هانت الذي وصف هذه التعليقات بأنها عنصرية ومثيرة للقرف. كما قالت هيلاري بن وزيرة المجتمعات في حكومة الظل عن حزب العمال إن التعليقات جارحة ومهينة وهجوم يفتقد إلي الروح البريطانية علي شخص بريطاني مثله مثل أي شخص"  
أما "نيك غريفين" زعيم الحزب البريطاني القومي ذي التوجهات اليمينية المتطرفة فكان الوحيد الذي دافع بالطبع عن هينوود قائلا إن العنصرية الحقيقية هي أن تمارس هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ومن خلفها الساسة البريطانيون الاستقواء والتنمر على المواطنين البريطانيين العاديين قائلا إن هؤلاء سيصبحون أقلية فى بلدهم"
من السهل جدا أن يتحدث الساسة بما يحلو لهم على تويتر ويعلقوا بما شاءوا بتصريحات بلهاء قد تثير إعجاب الحمقي أمثالهم. من السهل والمغري أيضا أن يوجهوا اهانات للاقليات الدينية والعرقية والتهكم علي شرائح معينة في المجتمع. لكن هناك الكثيرون جدا ممن يقال عليهم " التيار السياسي الأصيل" سيرفضون ذلك كله شكلا وموضوعا ليس لأنهم أكثر نبلا أو ترفعا فعالم السياسة لا يعرف هذه المفردات الطنانة لكن هذا التيار الذي يطلق عليه Mainstream يدرك ببساطة فداحة ثمن العنصرية لقد اكتوت المجتمعات في أوروبا عقودا بنيران الحقد والكراهية ونبذ الأخر. وكلفتهم العنصرية البغيضة الكثير من البشر والمال في حربين عالميتين عاشوا ولاياتها عقودا. يعرف الجميع بمن فيهم من تغريه "عنصريته" بأظهارها أن ثمن العنصرية باهظ للغاية حتي ولو كان مجرد تغريدة علي موقع تويتر أو تصريح في برنامج إذاعي. 

الخميس، 1 مايو 2014

في بلاد الكفر



عن الوطن والمواطنة في بلاد الكفر 
وقفت أمام الموظف النحيف ذي النظارات الرفيعة وأنا في منتهي الارتباك والحيرة. من فرط توتري أخذت أعرض أمامه الأوراق التي في يدي واحدة تلو الأخري بسرعة وبدون ترتيب وأنا أشرح له ما جاء بي إلي ديوان جوازات السفر.. 
"جواز سفري محجوز في السفارة الأمريكية لغرض الحصول على تأشيرة دخول لغرض العمل وأنا مسافرة غدا في رحلة عمل أيضا إلي مصر وليس لدي جواز سفر أدخل به بريطانيا بعد عودتي" 
أخذ يفحص الأوراق التي قدمتها له علي مهل وبعد عدة دقائق ردها إلي قائلا إن إحداها غير أصلية والمكتب لا يقبل النسخ. أضاف بتهذيب شديد: " أسف لا استطيع أن مساعدتك" 
عرضت عليه جواز سفري المصري .. قال : إذا لا مشكلة. قلت: بلي كيف سأدخل إلي بريطانيا بعد عودتي من مصر ؟ رد ببساطة ماعليك سوي أن تقدمي لهم عند دخول البلد النسخة المصورة من جواز سفرك البريطاني وسوف يسمحون لك بالدخول بعد أن تشرحي لهم الموقف. سيسمحون لك بالدخول لا داعي للقلق … نظر إلي مجددا بهدوء وقال : لديك جنسية بلد أخر هي مصر والقانون البريطاني يسمح لك بذلك. وأضاف مبتسما: لا تقلقي يا سيدتي أنت بريطانية مثلي تماما ! 
تسمرت أمامه لبرهة وكأنني اكتشف للمرة الأولي أنني "بريطانية". شعرت بغصة في حلقي .. لا أعرف إن كانت من فرط التوتر الذي عايشته على مدى الساعات القليلة التي سبقت هذا الحوار أم لأنني أشعر بالفعل من التأثر من فكرة أنني بالفعل "مواطنة بريطانية"
شعور غريب بالفعل أن تشعر بالانتماء لوطنك الأم تعيش معه بقلبك وجوارحك وانفعالاتك وتعيش في وطن أخر تعمل فيه وتنجح وتتقاضي منه راتبك. والأهم من كل ذلك أن تشعر أنك مواطن لك نفس الحقوق وعليك نفس الواجبات. ومع ذلك يبقي داخلك شئ مختلف لا يقنعك جواز السفر الأحمر الأنيق ـ الذي يحمل شعار ما كان يوما أمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ـ بأنك جزء من هذا البلد. 
بريطانيا تمنح جنسيتها لمن يدخل البلاد بشكل شرعي بعد خمس سنوات يثبت فيها الشخص أنه يعمل ولديه ما يثبت أنه من "دافعي الضرائب". والحقيقة أنني طالما توقفت أمام فكرة أن يكون "العمل هو معيار المواطنة" .. العمل والعمل وحده هو جواز مرورك لكي تنتمي إلي "وطن" 
ليس مهما محل ميلادك ولا من هم أبويك وما هي ديانتك وتوجهاتك السياسية … المهم أن "تعمل" وأن تكون "مواطنا صالحا" بأداء ضريبة الدخل عن ما تتقاضاه من راتب. 
لن يسألك أحد في "بلاد الكفر" هذه عمن تكون أو عن ديانتك أو عن أبوك أو أمك أو إن اسمك محمد أو بطرس أو شالوم. لن يسألك أحد عن مهنتك هل أنت مذيع أو صاحب متجر أو عامل في شركة لجمع القمامة. كل ذلك لا يهم لأن المهم هو العمل واحترام قيمة العمل. وعدم التهرب من أداء الفروض القانونية. على مدي الاسابيع الماضية شهدت الساحة البريطانية جدلا سياسيا ساخنا كانت بطلته وزيرة الثقافة ماريا ميلر المتهمة بالتلاعب في دفاتر المخصصات المالية لها كعضوة في البرلمان. ويطالب الكثيرون بأقالتها على الرغم من أنها اعتذرت علانية عن وجود مغالطات في سجل المصروفات والتي ردتها ميلر لخزانة مجلس العموم علي الفور. لكن العامة في بريطانيا رأوا أن الوزيرة يجب أن تكون مثالا يحتذي به في الالتزام بالقانون. وعليه فيجب عليها الاستقالة وبالفعل استقالت من منصبها الوزاري.  
وفي قضية أخري رفض أعضاء بارزون في مجلس اللوردات وهو بمثابة "هيئة تشريعية استشارية" رفض التصديق علي نص قانون أقره البرلمان يسمح للحكومة البريطانية بنزع الجنسية البريطانية عمن يثبت تورطهم في أعمال إرهابية. ليس لانهم يساندون الأرهاب لكن لأن نزع الجنسية والمواطنة أمر جلل وكبير. 
بهذه المبادئ الراسخة بنت وتبني الأمم حضارتها. لذا أتعجب كثيرا مما اشهده الأن علي الساحة المصرية من امتهان لقيمة العمل واهدار لقيمة المواطنة. الجميع لم يعد الشغل الشاغل لهم سوي من سيكون غدا في كرسي الرئاسة وانخرط الجميع وتباروا في كيل التأييد لذلك المرشح أو ذاك. الاعلام والرياضة والشارع والمقاهي وتوتير وفيسبوك لم يعد يشغلهم من هموم الوطن سوي تأييد السيسي أو توجيه السباب أو الشتائم له. لا اعرف هل اصبح لدي مصر ذلك الفائض من الطاقات والأموال التي نرصدها لقضية واحدة فقط  السلطة وكرسي الرئاسة تحديدا وشخص الفريق السيسي ونعتبر أنه أما مصدر لكل سعادة أو أصل كل الشرور؟ 
أقول هذا وأنا أتعجب أن نصف مليون سوري في مصر الأن معظمهم وجدوا طريقا بشكل أو بأخر للعمل. فصاحب السوبر ماركت علي ناصية الشارع الذي اقطن فيه رجل سوري وجارة قريبتي سيدة سورية محترمة تكسب قوت أولادها ببيع المأكولات السورية الشهية المجهزة نصف تجهيز للجارات والصديقات اللاواتي يعملن وليس لديهن وقت للطهي أو أولئك المرفهات واللاواتي يفضلن قضاء الوقت أمام التلفزيون وغيرهن. وقبل أيام قالت لي صديقة أن حلاقا أردنيا يقوم بحلاقة شعر الرجال والأولاد في المنازل لانه لا يمتلك محلا ويتقاضي نصف ما يتقاضه الحلاق في المحل المجاور. 
وأنا لا أود بالطبع أن أقلل من شأن الرجال والنساء المصريين الكادحين الشرفاء وعملهم وجدهم. كما أن أشارتي لوجود الأخوة السوريين أو الاردنيين في بلادنا ليست أشارة خبيثة بأي حال. فانا نفسي مصرية وأعيش في بلد أوروبي واعمل فيه ولي ما للبريطانيين وعلي ما ما عليهم. لكنني اشعر اليوم بخيبة الأمل من كثير من المصريين الذين اختصروا قيمة العمل في مظاهرة .. اختصروا المطالبة بالحقوق بالشتائم والسباب. واختصروا الحوار المجتمعي في برنامج تلفزيوني .. اشعر بالأسي من الذين أختصروا الوطن في رجل وأعداء الوطن في جماعة

السبت، 26 أبريل 2014

الرئيس


الرئيس 
لابد أن اعترف أن عملي في الأخبار كثيرا ما يثقل كاهلي بما لا أطيق تحمله من وطأة ما يحمل من مفارقات مبكية مضحكة تسبب الكثير من الألم والممزوج بالسخرية المريرة. واعترف أيضا أنني علي الرغم من أنني عاهدت نفسي على أن اقنع بدور "الإعلامي الطبيب" أي ذلك الإعلامي الذي يقوم بتشخيص المريض ويشير عليه بالعلاج .. إلا أنني لا أملك نفسي أحيانا سوي أن أكون في صفوف أهل المريض وابدأ في الصراخ والعويل على المريض وعلى ما أصابه. ويتكرر هذا الانفعال وتلك الولولة تحت وطأة تطورات الأحداث في العالم العربي الذي أنظر إليه بعين متقاربة لأن الهم واحد والمرض واحد. 
في أسبوع واحد كان شخص "الرئيس" وما خلفه من حكايات هو "البطل" أو المريض إن شئت ولا أقصد بذلك الكلمة بحرفيتها. إنما قصدت العلة والداء  في عالمنا العربي ككل على أختلاف ظروفها السياسية. 
واسمحوا لي أن اتخلي قليلا عن المنطق وابدأ في الشكوي والولولة. فهناك من الأمراض ما لا يفلح معاها أسلوب "الطبيب" ذي القفازات البيضاء والنظارات الطبية والأعصاب الباردة. 
فما المنطق في أن يختار بلد عربي هو الجزائر "رئيسا" يجلس على كرسي متحرك ؟ ما المنطق في أن يكون رئيس دولة عربية هي الأكبر من حيث المساحة وتعداد سكانها يصل إلي أربعين مليون شخص تعجز عن أن تجلب إلي ساحتها السياسية وجها جديدا شابا ؟؟ كيف يمكن لشعب ثلثا أبناءه ممن هم تحت سن الخامسة والثلاثين وثمانون في المائة من أبناءه تحت سن الخامسة والأربعين أن يختار رجلا مثل عبد العزيز بو تفليقه رئيسا ولفترة رابعة؟ 
كيف يكون بلد علّم العالم الثورة وكسر شوكة الاحتلال الفرنسي اشرس احتلال عرفته كتب التاريخ أن يقف صامتا أمام مشهد رجل أقعده المرض لدرجة أنه أصبح مغيبا عن العالم أسابيع طويلة وهو يرشح نفسه رئيسا ويفوز؟ ألم يشاهد هؤلاء الرئيس الامريكي علي شاشات التلفزيون وهو يتريض أو رئيس الوزراء البريطاني وهو يجري ويلعب مع أطفاله ؟
أما المفارقة الثانية فكانت في مصر قلب العالم العربي وأهم دولة فيه - التي فتحت أبواب الترشيح لانتخابات رئاسية يعلم الجميع نتيجتها سلفا. الكل يعلم أن المشير السيسي سيكون الرئيس القادم لكنهم أختاروا ـ بمن فيهم حمدين صباحي منافسه الأوحد ـ أن يستمروا في هذه المسرحية الهزلية. انخرط الجميع في سباق محموم لأبداء فروض الولاء والطاعة لمن لم يطلبها أصلا. وانهمك الأعلام تارة في الانبطاح المشين لشخص السيسي لدرجة القول إن الرجل لا يحتاج إلي برنامج انتخابي أو الاستمرار في بث اخبار منافسه صباحي عن ثقته الكاملة في الفوز بسباق يعلمون علم اليقين أن صفارة النهاية فيه انطلقت قبل أن يبدأ. 
لم يقف أحد لمحاولة لجم هذا السعار وهذا الجنون بكلمة.. أصر الجميع على أن من يرفض السيسي فهو يرفض لمصر. تماما كما زعم الاخوان ومن ورائهم أن من يخالفهم يخالف الاسلام ويحارب الله. لم يتوقف عاقل ليسأل أسئلة أقل ما يقال عنها أنها بديهية. ما هو المشروع الذي جاء به السيسي ؟ كيف سيصلح اقتصاد مصر المنهار كيف سيحل مشكلة البطالة كيف سيتعامل مع العالم الخارجي والسياسة الخارجية لمصر في حالة من التدهور الشديد ؟ لم يقدم السيسي حتي الساعة برنامجا انتخابيا لاننا قررنا أن نعفيه من ذلك فقولوا لي بالله عليكم على أي أساس سوف نحاسبه؟ 

أما المفارقة الثالثة فكانت المهزلة في البرلمان اللبناني لاختيار خليفه لميشال سليمان. لبنان هذا البلد الذي كان منارة للعلوم  والثقافة والاعلام في العالم العربي كله .. لبنان الذي كان أول بلد عربي يعرف التعددية السياسية. رضي ممثلو شعبه أن يمثلوا في الحقيقة تمثيلا دراميا لا تمثيلا برلمانيا. جلسوا الي مقاعدهم في جلسة برلمانية مهيبة الكل يعرف نتيجتها سلفا. وضعوا أوراقا بيضاء من غير سوء بدلا من أن يتحلوا بالشجاعة وينخرطوا في حوار وطني جاد من أجل بلد أصبح علي شفير هاوية متخم بالمشكلات الاقتصادية والبطالة وبمشكلة اللاجئين السوريين التي تكاد تغرق البلد في كارثة بسبب ضآلة موارده الاقتصادية وهشاشة مرافقه وبنيته التحتية. اختار نواب البرلمان اللبناني الافاضل المصالح الشخصية علي حساب الوطن والطائفية عوضا عن المصالحة اختروا أن يكونوا مجرد مقاعد وأوراق بيضاء حرفيا. 

أما كارثة الكوارث فسوريا التي يخرج علينا من أن لاخر رئيس برلمانها الكارتوني باشعار وهمي بشخصية خيالية تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية. ولا يعرف أحد من أي اتوا هؤلاء وأين سيذهبون لكن الجميع يعلم بكل تأكيد من أتي بهم هذا الذي اشبعهم قتلا وتقتيلا على مدي ثلاث سنوات. هذا البشار الذي سيدخل التاريخ علي كل جرائمه وجرمه من أبواب جهنم. ومن وراءه معارضة هزيلة اختارت أن تبيع الوطن في مقابل حفنة دولارات ودراهم. 

الحقيقة أن المسرحية علي ساحة العالم العربي تراجيدية اكثر من احتمالي واحتمال الكثيرين. الكل فيها ممثلون فاشلون. لقد اختصرنا حياتنا ومشكلاتنا وهمومنا في شخص "الرئيس" هذا المفهوم الذي لم يعد موجودا في أي من ديمقراطيات العالم. لا يتحدث العالم لا في الغرب ولا حتي في الشرق عن الرئيس يتحدث الناس عن الاحزاب السياسية عن المشاريع الاقتصادية عن بناء المجتمعات عن التعليم عن البناء ..لا عن كرسي بوتفليقه المتحرك ودراجة السيسي والرئيس الكارتون ورئيس الاوراق البيضاء. تعلم العالم فمتي نتعلم ؟  


الجمعة، 18 أبريل 2014

حكايات الاسوانية .... الحقيقة والخيال في مذبحة الهلايلة والدابودية



حكايات الأسوانية الحقيقة والخيال في "مذبحة الهلايلة والدابودية" 

كان اكتشافا مذهلا ذلك الذي عايشته خلال الفترة الماضية.. لم أعرف أن شعور الأنسان بالألم على شئ يحبه ويعشقه يجعل من الصعب جدا عليه أن يكتب عنه. هذا ما حدث لي عندما قرأت وسمعت وشاهدت المشاهد البشعة التي دارت أحداثها في أسوان حاولت مرارا دون جدوي أن أكتب عما حدث حتي مجرد بوست على فيسبوك أو مائة وأربعين حرفا على توتير. لم استطع .. شئ ما بداخلي كان يرفض الاعتراف بأن هذا يحدث في الحقيقة كنت أشعر أن جزءا من براءة أيام طفولتي تنمحي بكل قسوة مع كل صورة ومع كل خبر يتحدث عن "مذبحة أسوان"
الكثير من الأصدقاء والأقارب والجيران لجأوا إلي كي أقدم لهم تفسيرا لما يحدث .. لكنهم عادوا خائبين فلم يكن لدي إجابة ولم يكن عندي تفسير لماذا تحولت مدينتي إلي ما يشبه ساحة الحرب لماذا أصبحت الجثث تارة ملقاة في الشوارع وأخري محمولة على عربات الكارو لماذا كل هذا الدم وهذا العنف في أسوان التي يعشقها كل من يأتي إليها ويشيد بطيبة أهلها؟  
ذهبت إلي أسوان ولم يكن في نيتي إجراء تحقيق صحفي لأنني متأكدة أنني سأنظر إلي موطني بشكل مختلف كنت أبحث عن الحقيقة في عيون أبناءها. قررت أن اترك جانبا كل ما قيل في الإعلام وما قيل على شبكات التواصل الإجتماعي لأن الكثير منها قيل من منطق النفخ في النيران من أجل أن "يبيع الخبر أكثر". على سبيل المثال قالت لي جارتي إنها سمعت في أحد البرامج التلفزيونية إن القتلي وصل عددهم "خمسين ألفا" فسألتها هي أسوان فيها كام ألف؟ ووصفت أحداهن على توتير ما يحدث بحرب داحس والغبراء ! وأصر الكثيرون من النشطاء على فيسبوك وتوتير أن النوبيين مقهورون ومغلوبون في الصراع. فيما دلل أنصار الصعايدة على أنهم المغلوبون في الصراع بدليل أن عدد الضحايا بينهم هو الأكبر.   
قررت أن أنحي كل ذلك جانبا وأنزل الشارع لأحدث للبشر كي أعرف الحقيقة لا الخرافة كلام الناس الحقيقيين بدلا من الجالسين في المكاتب المكيفة وفي مقاهي الانترنت. أجمعت آراء كل من ألتقيت بهم دون استثناء سواء من الصعايدة من الهلايلة أو النوبة من الدابودية على أن الخلاف بدأ بكلام طائش مسئ للجانبين كتب على جدران مدرستين متقابلتين ينعت بأوصاف بذيئة أبناء القبلتين. وأكد لي عم عبد الله النوبي ولديه خبرة في الخطوط أن الذي كتب العبارات من الجانبين "شخص واحد"وأن ذلك واضحا جليا من طريقته في كتابة الياء والألف. وأجمع الكل أيضا على أن العداء بين الجانبين مستعر منذ عام وسخر الجميع من مقولة أن الأخوان هم السبب فيما حدث. وأشار معظم من ألتقيت بهم إلي تقاعس أمني كبير في وقف شرارة النار حين اشتعلت كما تحدث البعض كيف أن السلطات قصدت " تأديب " الطرفين بعدم التدخل فيما تحجج بعض المسؤولين بإن التدخل الفوري دون دعم كان يمكن أن يقود إلي مذبحة لقوات الأمن التي كانت غير مجهزة. 
قال لي معظم من ألتقيت بهم - بمن فيهم الصعايدة- إن جماعة من الهلايلة ممن احترفوا الاجرام وتجارة المخدرات اعتادوا الاستقواء على الدابودية وعلى غيرهم وأنهم قتلوا بعضا من النائمين غدرا من النوبيين ومن بينهم سيدة نوبية وقاموا بنهب وسلب المنازل ومن يعرف طباع الصعايدة مثلي يدرك أنهم على كل مساوئ عادة الثأر التي مازالت موجودة لديهم لا يمكن أن يقتلوا نائما كما أن قتل النساء ثأرا يعد من المحرمات تقريبا في أعراف الصعيد. ولا يمكن أن يُقتل رجل عليه ثأر وبصحبته امرأة سواء كانت زوجته أو أمه أو شقيقته فهذا عار على من يرتكبه. 
هذه الحادثة كانت محورية في تأجيج ما كان يمكن أن يعد حادثا بسيطا. وجعل أهل النوبة يتكاتفون سويا مع الدابودية ويشنوا هجوما مضادا قتل فيه ما يصل إلي خمسين من الهلايلة. لم يسكت الهلايلة على ذلك وإنما ردوا بالثأر بقتل طبيب نوبي مشهود له بالخلق في محل عمله بصورة بشعة وتقطيع أوصاله. ومن يعرف عادات الثأر في الصعيد يعرف أن القبائل - مع الأسف الشديد- لا تعتمد مبدأ من قتل يقتل لكنهم ينتقون أفضل من في القبيلة الأخري كي يقتلوه ثأرا. 
على الطريق من كوم أمبو لأسوان فوجئت بشخص نوبي بملابس مدنية يقف بالقرب من أحدي نقاط التفتيش رافعا بندقية متأهبا وبعد ذلك بأيام كنت على الطريق من كوم أمبو لإدفو دخلت محل للموبايل لشراء كارت تلفون وفوجئت برجل يرتدي جلبابا رافعا سلاحه. مثل هذه المشاهد التي لم اعتد عليها ولم اراها في سنوات عمري التي قضيتها في أسوان أكدت لي بالدليل القاطع ما أجمع عليه الكل أن سلاحا كثيرا يغرق البلد مصدره ليبيا وأن قطعة السلاح التي كانت بعشرة ألاف جنيه أصبح سعرها اليوم ألفين من الجنيهات. وكل ذلك أغري الجميع بالتسابق على شراء السلاح خاصة في ظل انعدام الأمن. الجميع يعرف أن الكبار من رجال الصعيد يقتنون في العادة سلاحا حفظا للهيبة لكن المؤكد أن وجود السلاح اليوم بشكل كبير في يد المتهورين من صغار السن ساهم في تفاقم المشكلة. هذا إلي جانب الكثير من المشكلات التي يعاني منها الصعيد أصلا من ارتفاع كبير للبطالة وسيطرة الجماعات المتطرفة على المشهد الاجتماعي وتغذية النعرات الطائفية.   
كانت هناك حكاية وراء الحكاية ربما لم يعرفها الجالسون إلي أجهزة الكمبيوتر والسمارت فون علي شبكات التواصل الإجتماعي ولم يهتم بها الأعلاميون الذين كان كل همهم أن يضيفوا البهارات والأثارة لقصصهم ..ألا وهي الأثر الشرير نعم الشرير الذي أحدثته هذه الأزمة بأقوات الناس في أسوان التي تعتمد بشكل رئيسي على السياحة سواء الداخلية والخارجية. وبالطبع أضرت هذه الاخبار بالسياحة بشكل مهول في موسم من أهم المواسم السياحية . أنا من أشد المنحازين إلي طرح الحقائق كما هي لكنني في نفس الوقت ضد المبالغة والأثارة المبالغ فيها لتحقيق مكاسب وقتية وانتصارات وهمية. 
كان يمكن أن يكون هذا الموسم السياحي أفضل من سابقيه بقليل كان يمكن تطويق مستصغر الشرر الذي تحول إلي نيران تأكل الأخضر واليابس بقليل من الحكمة والسرعة في التعامل الأمني. كان يمكن للإعلام المصري أن يتعامل بقدر من المسؤولية بدلا من تحويل مشكلة يمكن أن تحدث في أي بلد وأو نجع من نجوع مصر دون أن تتحول إلي "مذبحة" و"حرب داحس والغبراء". كان يمكن للناشطين في مجال حقوق النوبة -التي انحاز إليها علي طول الخط-  ألا ينفخوا في النيران وألا يستغلوا هذا التوقيت لطرح قضايا عالقة من سنين لكن لا علاقة لها اساسا بما حدث مثل المطالبة بالتعويضات وحق احترام الخصوصية واللغة. كان يمكن لكل من شمر عن ساعديه للمشاركة في حرب الأثارة المؤسفة بهاشتاج مذبحة أسوان اعلى توتير أو بوست على فيسبوك أن يتروا قليلا ويعرفوا الحقائق كما هي. كان يمكن لكل هؤلاء أن يتحلوا بقدر من الحكمة ليعرفوا أن الجميع من أهل النوبة والصعيد على حد سواء سيخسرون في النهاية ويدفعوا ثمنا باهظا من أقواتهم وأرزاق أطفالهم ثمنا لهذه الحروب الوهمية علي شاشات التلفزيون وشبكات الانترنت. 
في رحاب معبد فيله الراقد في بهاء وروعة في أحضان النيل من آلاف السنين .. جلست أنا وأسرتي الصغيرة واحدة من ثمانية أشخاص لا غير نستمتع بالاستماع إلي رواية أزوريس الخالدة في عرض الصوت والضوء. جو أسطوري تحت سماء صافية وفي جو رائع وراقي لا تعرفه أغني بلاد العالم . لا أخفي عليكم شعرت بالحسرة تعصر قلبي الجواني علي التراب الأسواني وجدتني أسأل .. أسوان تبيع أجمل ما في الكون فمن يشتري ؟