كيف يسقط الساسة على سيف المتاجرة بالعنصرية
عندما سألت السيناتور كيث إليسون ..أول نائب مسلم في الكونجرس الأمريكي لماذا يثير الكثير من الجدل حوله ويخوض في قضايا شائكة يتجنبها الكثيرون من الساسة قال لي جملة مازلت عالقة في ذهني … "السياسي الذي يحاول خداع الناخبين ويغشهم ويحاول إخفاء الحقائق وتجنب المواجهة سياسي فاشل ويقدم مستوي ضعيف ومتواضع في مجال الخدمة العامة. المجتمع الذي يلتزم بمبدأ العدالة للجميع يجب على أن يؤمن بهذه الافكار بكاملها دون انتقاء بعضها."
لم أنس هذه العبارة أبدا. وتذكرتها مجددا وأنا أقرأ قبل أيام تصريحات السياسي البريطاني ديفيد بيشوب والتي قال فيها معتذرا " لقد أدركت الآن أن من يتصدي للعمل العام عليه أن يثبت جدارة ويسعي إلي توحيد المجتمعات لا أن يفرقها. أرجو أن يغفر لي أهالي دائرتي الافتقار إلي صواب الحكم".
كان هذا جزءا من بيان الأستقالة من العمل السياسي الذي تقدم به "بيشوب" الذي اعتذر بشكل واضح لا ريب فيه عما وصفه هو شخصيا ب " الإساءة الحقيقية" التي ارتكبها وقال إنه لن يتنظر من أبناء دائرة "برنت وود ساوث" في مقاطعة إيسكس أن يمنحوه أصواتهم في الانتخابات المحلية الحاسمة التي ستجري في الثاني والعشرين من شهر مايو الجاري.
أما "الجريمة الإنتخابية" التي ارتكبها ديفيد بيشوب فكانت تغريدتين علي توتير.. نعم تغريدتين فقط لا غير خسر الرجل بسببهما مستقبله السياسي وعضوية حزب المحافظين الشريك الأكبر في الإئتلاف الحكومي البريطاني.
الأولي كانت "مزحة سخيفة" تهكم فيهاعلى المثليين جنسيا" ثم اعقبها بتغريدة أخري في السابع والعشرين من إبريل (أي بعد يومين فقط من تسميته مرشحا في انتخابات البلدية عن حزب المحافظين) قال فيها إن "الإسلام هو دين السلام والأغتصاب" في إشارة لاعتقال أربعة رجال مسلمين متهمين باغتصاب فتاة في الرابعة عشرة من عمرها. وكانت التغريدة الثانية هي التي كلفت بيشوب الكثير.
ربما لم ينتبه حزب المحافظين إلي التغريدة الأولي التي كتبها بيشوب عن المثليين جنسيا والتي كتبها في الثالث عشر من شهر ابريل الماضي. أي قبل إعلان ترشيحه ممثلا عن الحزب لكنه بمجرد إعلان ترشيحه نظر إليه الجميع بنظرة مختلفة وكانت التوقعات منه تلقائيا أن يتحلي بقدر من المسؤولية المجتمعية كسياسي حتي ولو كان على مستوي محلي.
لم يلتفت الحزب إلي كون "ديفيد بيشوب" يعمل DJ في أحدي الأذاعات المحلية ولم يتحدث الناس عن إن عمله في مهنة ترفيهية تقلل من شأنه في المجتمع ولا تسمح له بأن يكون له عمل جاد مثل العمل السياسي. ولم يطلب منه أحد أن يتخلي عن وظيفته التي يتقاضي منها راتبه لكن عمله العام كان بالتأكيد شأنا يخص الجميع دون استثاء .. الحزب …المجتمع ….الإعلام … ومتابعي الرجل على توتير.
ولقد دخلت بالفعل على حساب ديڤيد بيشوب على موقع توتير في محاولة مني للتعرف على جوانب أخري من شخصيته فوجدت أن الحساب قد تم حذفه تماما. لكن بقيت ردود الفعل الغاضبة على تغريداته موجودة واللافت أن معظمها كانت من غير المسلمين. قالت له أحدي المتابعات وتدعي "ڤايوليت" : أرجو أن تكون قد تعلمت الدرس أن التنميط ووصم الآخرين في المجتمع لا يمكن أن تؤدي إلي التفرقة. أتمني لك التنوير والسلام والحب. وقال متابع أخر يدعي أنتوني ويعيش في نفس دائرته الأنتخابية مستنكرا : "الإسلام دين الأغتصاب؟ هل لديك أدني فكرة عن الجرائم التي ارتكبت زورا باسم المسيح؟" وبالطبع كانت هناك العديد من الردود التي وجهت الأتهام لديفيد بيشوب بالعنصرية والأنحياز ضد الأقلية كما كان هناك اتهامات إلي حزب المحافظين بإساءة اختيار مرشحيهم علي الرغم من التعامل الحاسم والسريع للحزب مع الرجل.
لم يكتف حزب المحافظين بالاعتذار الذي قدمه ديفيد بيشوب دون أي تحفظ وأنه تنازل عن الترشح ممثلا عن بل خرج "جون كرسلاك" رئيس المجموعة التي تضم الدائرة الانتخابية ليؤكد على أن " الأمر تم التعامل معه بسرعة وبشكل حاسم بما يخدم مصالح دائرة برينت وود وحزب المحافظين". وأضافت لويز ماكنلي بالقول إن "آراء السيد بيشوب تخصه لوحده ولا مكان لها في الفريق. لقد أتخذ القرار الصحيح "
لم استغرب كثيرا ردود الفعل السريعة التي جاءت من حزب المحافظين بطرد الرجل من قائمة المرشحين بل وحرمانه من عضوية الحزب. فهذه الإنتخابات مهمة للغاية وحاسمة وتعتبر امتحانا كبيرا للائتلاف الحكومي الذي لا يعرف أحد كيف يقيمه رجل الشارع في بريطانيا. فالائتلاف بدأ ب" كوراث انتخابية" ثم نجح في استعادته توازنه خلال الاشهر القليلة الماضية وتمكن من إحراز " نجاحات إقتصادية" بتقليل العجز في الموازنة ونسبة البطالة. وهذا هو الاهتمام الأكبر بالنسبة للناس العاديين.
لكن التهديد الأكبر بالنسبة لحزب المحافظين الذي يميل إلي سياسات يمين الوسط هو حزب بريطانيا المستقلة UKIP الذي بات يؤرق الكثيرين من الليبراليين في المجتمع البريطاني لصعود نجمه في الأونة الأخيرة والذي يتوقع له الكثير من المراقبين أن يحقق نجاحات كبيرة في الانتخابات المحلية التي ستجري في الثاني والعشرين من مايو ليدخل من هذه البوابة إلي البرلمان الأوروبي.
لا يشك الكثيرون في الدوافع " الخبيثة" لحزب بريطانيا المستقلة وميله نحو العنصرية وهي تهمة لا يتهاون معها الكثيرون في المجتمعات الأوروبية. وهذا هو السبب بالتحديد الذي جعل الحزب يوقف عضوية "هاري پاري" الطامح للفوز بدائرة أوفرتون بعد أن ارتكب "جريمة انتخابية" تماثل جريمة ديڤيد بيشوب حيث قال على حسابه على توتير إن "الإسلام شر والمثلية الجنسية أمر حقير". وهاري پاري ليس المرشح الأول الذي يتم منعه من الترشح للانتخابات نائبا عن حزب UKIP. فقد اضطر مرشح أخر هو ويليام هينوود إلي التخلي عن طموحه السياسي بعد أن تهكم أيضا علي حسابه علي توتير علي الممثل الكوميدي الأسود "ليني هنري" الذي طالب بوجود المزيد من الوجوه السمراء في الصناعات الابتكارية. فما كان من ويليام هينوود أن رد بتغريدة قال فيها إن على"ليني هنري" أن يهاجر إلي بلد أسود كما شبه الإسلام بالرايخ الثالث.
والأسوأ من ذلك أنه حين سأل عن تغريداته قال هينوود في أحد برامج بي بي سي "إذا جاء السود إلي هذه البلد ولم يختلطوا بالمواطنين البيض لماذا يعيشون هنا وإذا كان ليني هنري يرغب أن يري الكثير من السود حوله لماذا لا يذهب ليعش في بلد مواطنيه من السود؟ "
أثارت هذه التعليقات زوبعة من الادانة من الأحزاب الأخري بدأت بوزير الصحة عن حزب المحافظين چيريمي هانت الذي وصف هذه التعليقات بأنها عنصرية ومثيرة للقرف. كما قالت هيلاري بن وزيرة المجتمعات في حكومة الظل عن حزب العمال إن التعليقات جارحة ومهينة وهجوم يفتقد إلي الروح البريطانية علي شخص بريطاني مثله مثل أي شخص"
أما "نيك غريفين" زعيم الحزب البريطاني القومي ذي التوجهات اليمينية المتطرفة فكان الوحيد الذي دافع بالطبع عن هينوود قائلا إن العنصرية الحقيقية هي أن تمارس هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ومن خلفها الساسة البريطانيون الاستقواء والتنمر على المواطنين البريطانيين العاديين قائلا إن هؤلاء سيصبحون أقلية فى بلدهم"
من السهل جدا أن يتحدث الساسة بما يحلو لهم على تويتر ويعلقوا بما شاءوا بتصريحات بلهاء قد تثير إعجاب الحمقي أمثالهم. من السهل والمغري أيضا أن يوجهوا اهانات للاقليات الدينية والعرقية والتهكم علي شرائح معينة في المجتمع. لكن هناك الكثيرون جدا ممن يقال عليهم " التيار السياسي الأصيل" سيرفضون ذلك كله شكلا وموضوعا ليس لأنهم أكثر نبلا أو ترفعا فعالم السياسة لا يعرف هذه المفردات الطنانة لكن هذا التيار الذي يطلق عليه Mainstream يدرك ببساطة فداحة ثمن العنصرية لقد اكتوت المجتمعات في أوروبا عقودا بنيران الحقد والكراهية ونبذ الأخر. وكلفتهم العنصرية البغيضة الكثير من البشر والمال في حربين عالميتين عاشوا ولاياتها عقودا. يعرف الجميع بمن فيهم من تغريه "عنصريته" بأظهارها أن ثمن العنصرية باهظ للغاية حتي ولو كان مجرد تغريدة علي موقع تويتر أو تصريح في برنامج إذاعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق