أخطاء السيسي القاتلة
مازال بمقدور وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي الفوز بانتخابات الرئاسة بأغلبية مريحة. ولكن يبقي ما حدث في اليوم الاول والثاني من الانتخابات الرئاسية أمرا يجب التوقف أمامه … ولابد أن السيسي وفريقه الرئاسي ( إن كان له فريق حقا) قد اسقط في أيديهم وجاءت لهم الريح بما لا تشتهي السفن. فجميع الحسابات تغيرت وتبدلت وما كان يظنون أنه بأيديهم لم يعد كذلك.
لقد وضع السيسي نصب عينيه منذ بداية ترشحه أن يحرز من الأصوات ما يفوق ما حصل عليه الرئيس المعزول محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢ وهو ما يزيد قليلا عن ١٣ مليون ناخب. وكان الهدف من ذلك حسبما أعلن أن يؤكد على شرعية ما حدث الثالث من يوليو وأنه جاء نتيجة حتمية للضغط الشعبي الكبير في الثلاثين من يونيو والذي طالب باجراء انتخابات رئاسية مبكرة . وليس كما يصوره الكثيرون من المعلقين في الغرب - أنه "إنقلاب عسكري".
لكن السيسي لم يكتف بذلك ولكنه حدد رقم معين وهو أربعين مليون صوت كان يسعي للحصول عليها. ولا تسعفني ذاكرتي الانسانية أو الصحفية على تذكر أن مرشحا قد حدد سلفا قبل أي انتخابات عدد الناخبين الذي "يجب" أن يصوت له. اللهم إلا إذا كان الرجل يتصور أن التعامل مع الشعوب هو تعامل مع كتيبة في الجيش. ولا أعرف كيف لرجل قضي سنوات طويلة من الخدمة في المخابرات قد خانه التقدير لهذه الدرجة التي أهلته للحديث بتلك الثقة عن خروج أربعين مليون شخص لتأييده في الانتخابات الرئاسية. وهو رقم لن يحصل عليه السيسي بالتأكيد في هذه الانتخابات ولن يحصل عليه أي مرشح أخر مهما كانت الشعبية التي يتمتع بها. وأحسب أن الثقة الزائدة في الشعبية اغرت السيسي بالحديث عن هذا الرقم فتغاضي عن بقية الصورة. ونسي أو تناسي أن ليس الشعب المصري بأكمله قد اصطف وراءه. وهناك من لقد نسي السيسي أن تيار الأخوان له قاعدة شعبية لا يستهان بها. كما أنه يتحمل شاء أم أبي تبعات ما يحدث في المرحلة الانتقالية التي تلوثت بكثير من الدماء والمظالم.
أما الخطأ الثاني القاتل فهو فشل السيسي فشلا ذريعا في كسب ود شباب الثورة بل تعامل معهم بأسلوب الأب الذي "يقوم سلوك أولاده بالضرب العنيف". وكان لتكرار مشاهد اعتقال وسجن وتشويه الكثير من رموز شباب الثورة - والتي تحمل السيسي وزرها تلقائيا- بالغ الاثر في حملة المقاطعة التي اختارها العديد منهم طواعية من دون ترتيب مسبق .
لم يكن من الممكن أن يمر اعتقال وسجن كثير من رموز الثورة مرور الكرام و لم يكن من الممكن أن يشارك هؤلاء الشباب في الانتخابات الرئاسية - والكثيرون منهم كانوا مؤيدين لتحرك الثلاثين من يونيو بعد ما حدث بعد ذلك من تجاوز وتجاهل واعتقال وتشويه.
لقد اختصر السيسي عليهم الطريق ولم يجعلهم حتي في حيرة من أمرهم حتي أن أحدا لم يطرح السؤال الذي لازم الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ هل نعصر ليمون؟ ونأخذ خيار المضطر. كانت القضية محسومة والود بين شباب الثورة والسيسي مفقودا ولم يبذل الرجل جهدا لتبديل الوضع سوي بالحديث بكلام أجوف عن أن الشباب في قلب المستقبل. بينما استمرت الاعتقالات بمقتضي قانون منع التظاهر وحجة ملاحقة العناصر الارهابية حتي الساعات الاخيرة من انطلاق السباق الانتخابي. كما جاء حكم حظر جماعة ستة أبريل واتهامهم بالعمالة لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير.
وحتي في الحوارات القليلة التي أدلي بها- ابدي وزير الدفاع السابق عزمه على السير قدما فيما سعي إليه من منع التظاهرات وفرض المزيد من القيود على مواقع التواصل الاجتماعي. ونسي السيسي وفريقه الانتخابي أنه ليس بوسعه أن يستغني عن قطاع الشباب في بلد أربعين في المائة من سكانه تحت سن الاربعين وتسعة وعشرين في المائة منهم تحت سن التاسعة والعشرين.
والحقيقة أن السيسي لم يسع لكسب ود الشباب أو غير الشباب وهذا هو الخطأ الثالث الذي وقع فيه فالرجل كان يردد دوما أنه لم يسع للرئاسة ولم يكن يرغب فيها وإنما جاء بناء على "استدعاء" من الشعب و"تكليف" منه. فتعامل مع الشعب المصري بطريقة "الغاوي ينقط بطاقيته" فلم يقم مؤتمرا شعبيا واحدا خلال حملته الانتخابية التي لم أفهم أبدا ما هو مغزاها طالما أنه رفض الاعلان عن برنامج انتخابي واضح كما أنه لم يقبل الدخول في مناظرة مع خصمه الوحيد حمدين صباحي وأكتفي عوضا عن ذلك بالخروج إلي الشعب عبر شاشات التلفزيون في برامج كانت معدة سلفا بل إن إخراجها كان أقرب إلي الدعاية المباشرة منه إلي الحوار البناء. وهنا مكمن الخطأ القاتل الرابع للمشير السيسي.
فالآلة الاعلامية الجهنمية لم تتوقف عن تفخيم ذات السيسي منذ اليوم الأول لعزل مرسي وتصويره على أنه المنقذ الوحيد لمصر من "شر الاخوان" وأن على مصر أن ترد الجميل وتطالب السيسي بخوض الانتخابات الرئاسية ليتوج ما فعله من الخلاص من الإخوان و"يتم جميله". لم يكن هناك سرا في أن الاعلام الخاص الذي يسيطر عليه رجال الأعمال قد فرض نفسه تقريبا على السيسي وعلى برنامجه وعلى شخصه تحقيقا لمصالح خاصة . واثبات أنهم "رجال الرئيس" وزينوا له بقدر لا يستهان به من الغباء كل ما قاله وكل ما فعله. بل وقاموا بتغذيه النعرات الشوفينية التي تجرم كل ما يخالفهم في الرأي أو يوجه انتقادا للسيسي. وخرجوا تارة بمسلسلات سيديهات شباب الثورة وتارة أخري بمؤامرة أبلة فاهيتا وأخيرا بنموذج سيدة "شت أب يور ماوس أوباما". أشياء جميعها كان ينافي المنطق والعقل واستهلكت الوقت والجهد في متاهات كان بالامكان تفاديها بقليل من الحكمة وقليل من الصدق مع النفس. فسقط السيسي بسيف الإعلام كما سقط الاخوان بسيف الدين.
ليس أمام السيسي وقتا لكي يضيعه وإذا كان حقا يريد أن يبدأ حقبته الرئاسية بشكل واع ولائق عليه أولا أن يستدعي حكماءه كي يستعرض أخطاءه بامانة ونزاهة وشفافية بدلا من التدليس والتهوين .. عليه يستوعب أول درس في السياسة من الشعب المصري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق