ثورة الهوامش …. شت أب يور ماوس
هل تتذكرون المشهد الدرامي المؤثر في فيلم "خلي بالك من زوزو" والذي قام فيه مجموعة من البنات والشباب من طبقة ارستقراطية بدعوة تحية كاريوكا الراقصة العجوز لاحياء حفلة حتي يجعلوا منها أضحوكة ويسخروا منها ومن ابنتها التي قامت بدورها الجميلة الراحلة سعاد حسني والتي تخلع ملابس الهوانم وتبدأ في الرقص أمامهم وهي في الحقيقة لم تتعري لترقص أنما كانت تُعري شلة طبقة الارستقراطية من زيفهم وتجردهم من الأنسانية…
هذا المشهد تكرر بحذافيره في منتدي دبي للاعلام الذي وجه الدعوة للسيدة المصرية البسيطة مني البحيري للمشاركة في المنتدي بدعوي أنها تمثل ما وصف بثورة الهوامش في الإعلام. ومني البحيري لمن لا يعرف هي تلك السيدة المصرية البسيطة التي اشتهرت بفيديو "أوباما شت أب يور ماوس" حيث وجهت رسالة إلي الرئيس الامريكي تدعوه فيها إلي عدم التدخل في الشأن المصري أصرت أن تكون باللغة الأنجليزية حتي تصل الرسالة إليه .
مني هذه السيدة البسيطة الحاصلة علي دبلوم تجارة هي مثال لما نسميه إعلاميا "رجل الشارع". فهي تتمتع بتلقائية وعفوية وبساطة متناهية في عرض قضيتها. وبالطبع هذا هو المحتوي الذي ينبغي لأي إعلامي محترم أن يركز عليه. فمبادئ الإعلام الراقي -كما تعلمتها- تقتضي أن نفكر في المحتوي وتفاعل المتلقي معه وجزء من تفاعل المتلقي مع المحتوي هو التوحد مع الشخصية المحورية. وعلى ذلك فاستقراء رأي رجل الشارع يعد أضافة ثرية ومهمة لأي محتوي إعلامي.
لكن ما حدث مع مني البحيري غير ذلك. فبدلا من التركيز على عرض قضيتها ورأيها بشكل مهني بدأ الإغراق في التركيز على الطرفة والدعابة في كلامها ألا وهو عدم اتقانها اللغة الانجليزية والجسارة التي تتحدث بها التي تثير قدرا من الانبهار الممزوج بالسخرية. التعامل مع هذا العنصر بشكل عرضي يمكن أن يكون عنصرا جذابا في الإعلام لبعض الوقت وفي الوهلة الأولي حيث لا توجد شبهة استغلال لهذا الجانب وهذا الجانب دون غيره.
وقد تابعت مثل الملايين المصريين "مني" التي اصبحت تلقب بالسيدة الخضراء نسبة إلي الخمار الذي ترتديه دوما والذي تقول إنها لا تملك غيره بقدر كبير من الدعابة بل وضحكت مثل الكثيرين على طريقتها الجسورة فى الحديث باللغة الانجليزية التي كسرت كل قواعدها و"براءة الأطفال في عينيها" … كل هذا في حدود المقبول والمعقول. وحتي ما قامت به بعض القنوات الفضائية من استضافة السيدة مني في إطار الفضول الكبير الذي رافق الفيديو المنشور لها يبقي معقولا ومقبولا وتحويل حوارها إلي "كوميكس" هو نتاج طبيعي لثورة المحتوي الإعلامي.
لكن غير المقبول ولا المعقول والذي ينتهك ليس فقط ابسط القواعد الإعلامية المحترمة ولكن أبسط القواعد الإنسانية هو أن يتم استغلال هذه السيدة لتلعب دور "الأراجوز" أو "القرد أبو صديري" كي يتضاحك عليها من يفترض فيهم أنهم إعلاميون أصحاب مهنة ذات قيمة. ولم اتمالك شعوري بالصدمة حين رأيت الإعلامي اللبناني المعروف نيشان ديرهاروتيونيان يقف بجوارها وهي تدلي ب "حديث صحفي " ليضحك عليها ويتغامز من خلفها في مشهد رخيص أساء إليه كثيرا إعلاميا وإنسانيا أيضا.
والمثير للأسى أن السيدة "مني غانم المري" المدير العام للمكتب الإعلامي في حكومة دبي ورئيس اللجنة العليا المنظمة لمنتدي الإعلام العربي عندما سئلت عن مغزي استضافة مني البحيري أمعنت في التبرير لهذه السقطة بالقول إنها جاءت في إطار ندوة ثورة الهوامش وأنها ـ أي مني البحيري - سوف تتواجد ولن تشارك في جلسات المنتدي كونها "ظاهرة" افرزها الإعلام الجديد وجعل منها نجمة في الوقت الراهن !!
ولدي عدد من الأسئلة في صميم مهنة الإعلام إذا ما كانت جحة "مني المري" هي الإعلام وخدمة الإعلام وفتح نقاش ثري للظواهر الإعلامية… ما هي القيمة الإعلامية لوجود مني البحيري في المنتدي ؟ ولماذا كان من الضروري أن تتواجد مني البحيري بنفسها في ندوة كان من الممكن ببساطة أن تناقش الموضوع دون وجود "الجثة" كما نقول ؟ ولماذا وكيف اقنعتم هذه السيدة بأنها أصبحت نجمة ومحط اهتمام كبير وأنها أصبحت إعلامية يشار إليها بالبنان لتقف في وسط بهو قاعات المنتدي لتدلي بدلوها وتكرر أرائها السياسية الذي باتت مقتنعة أنها ذات قيمة كبري؟ ولماذا سمحت لأنفسكم باستغلال هذه السيدة المصرية إنسانيا واستغلال بساطتها وسذاجتها؟ وما هو المبرر الأخلاقي لذلك ؟
والسؤال الأهم كيف سمحت مصر ورئيس وزراءها إبراهيم محلب الذي شارك في المنتدي بأن يتم اختصار مصر إعلاميا ومهنيا في محفل مهم مثل منتدي دبي بهذا الشكل ؟ ومن المسؤول عن تمرير مثل هذه المشاركة الرخيصة في منتدي عربي يؤم مئات من الإعلاميين من شتي أنحاء العالم؟
أقولها بصوت عال … أيها الإعلاميون الذين اختصرتم مصر والإعلام فيها في ثورة الهوامش شت أب يور ماوس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق