Translate

الأربعاء، 28 مايو 2014

أخطاء السيسي القاتلة



أخطاء السيسي القاتلة  

مازال بمقدور وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي الفوز بانتخابات الرئاسة بأغلبية مريحة. ولكن يبقي ما حدث في اليوم الاول والثاني من الانتخابات الرئاسية أمرا يجب التوقف أمامه … ولابد أن السيسي وفريقه الرئاسي ( إن كان له فريق حقا) قد اسقط في أيديهم وجاءت لهم الريح بما لا تشتهي السفن. فجميع الحسابات تغيرت وتبدلت وما كان يظنون أنه بأيديهم لم يعد كذلك. 
لقد وضع السيسي نصب عينيه منذ بداية ترشحه أن يحرز من الأصوات ما يفوق ما حصل عليه الرئيس المعزول محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢ وهو ما يزيد قليلا عن  ١٣ مليون ناخب. وكان الهدف من ذلك حسبما أعلن أن يؤكد على شرعية ما حدث الثالث من يوليو وأنه جاء نتيجة حتمية للضغط الشعبي الكبير في الثلاثين من يونيو والذي طالب باجراء انتخابات رئاسية مبكرة . وليس كما يصوره الكثيرون من المعلقين في الغرب - أنه "إنقلاب عسكري"
لكن السيسي لم يكتف بذلك ولكنه حدد رقم معين وهو أربعين مليون صوت كان يسعي للحصول عليها. ولا تسعفني ذاكرتي الانسانية أو الصحفية على تذكر أن مرشحا قد حدد سلفا قبل أي انتخابات عدد الناخبين الذي "يجب" أن يصوت له. اللهم إلا إذا كان الرجل يتصور أن التعامل مع الشعوب هو تعامل مع كتيبة في الجيش. ولا أعرف كيف لرجل قضي سنوات طويلة من الخدمة في المخابرات قد خانه التقدير لهذه الدرجة التي أهلته للحديث بتلك الثقة عن خروج أربعين مليون شخص لتأييده في الانتخابات الرئاسية. وهو رقم لن يحصل عليه السيسي بالتأكيد في هذه الانتخابات ولن يحصل عليه أي مرشح أخر مهما كانت الشعبية التي يتمتع بها. وأحسب أن الثقة الزائدة في الشعبية اغرت السيسي بالحديث عن هذا الرقم فتغاضي عن بقية الصورة. ونسي أو تناسي أن ليس الشعب المصري بأكمله قد اصطف وراءه. وهناك من لقد نسي السيسي أن تيار الأخوان له قاعدة شعبية لا يستهان بها. كما أنه يتحمل شاء أم أبي تبعات ما يحدث في المرحلة الانتقالية التي تلوثت بكثير من الدماء والمظالم. 
أما الخطأ الثاني القاتل فهو فشل السيسي فشلا ذريعا في كسب ود شباب الثورة بل تعامل معهم بأسلوب الأب الذي "يقوم سلوك أولاده بالضرب العنيف". وكان لتكرار مشاهد اعتقال وسجن وتشويه الكثير من رموز شباب الثورة - والتي تحمل السيسي وزرها تلقائيا- بالغ الاثر في حملة المقاطعة التي اختارها العديد منهم طواعية من دون ترتيب مسبق . 
لم يكن من الممكن أن يمر اعتقال وسجن كثير من رموز الثورة مرور الكرام و لم يكن من الممكن أن يشارك هؤلاء الشباب في الانتخابات الرئاسية - والكثيرون منهم كانوا مؤيدين لتحرك الثلاثين من يونيو بعد ما حدث بعد ذلك من تجاوز وتجاهل واعتقال وتشويه. 
لقد اختصر السيسي عليهم الطريق ولم يجعلهم حتي في حيرة من أمرهم حتي أن أحدا لم يطرح السؤال الذي لازم الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ هل نعصر ليمون؟ ونأخذ خيار المضطر.  كانت القضية محسومة والود بين شباب الثورة والسيسي مفقودا ولم يبذل الرجل جهدا لتبديل الوضع سوي بالحديث بكلام أجوف عن أن الشباب في قلب المستقبل. بينما استمرت الاعتقالات بمقتضي قانون منع التظاهر وحجة ملاحقة العناصر الارهابية حتي الساعات الاخيرة من انطلاق السباق الانتخابي. كما جاء حكم حظر جماعة ستة أبريل واتهامهم بالعمالة لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير. 
وحتي في الحوارات القليلة التي أدلي بها-  ابدي وزير الدفاع السابق عزمه على السير قدما فيما سعي إليه من منع التظاهرات وفرض المزيد من القيود على مواقع التواصل الاجتماعي. ونسي السيسي وفريقه الانتخابي أنه ليس بوسعه أن يستغني عن قطاع الشباب في بلد أربعين في المائة من سكانه تحت سن الاربعين وتسعة وعشرين في المائة منهم تحت سن التاسعة والعشرين.
والحقيقة أن السيسي لم يسع لكسب ود الشباب أو غير الشباب وهذا هو الخطأ الثالث الذي وقع فيه فالرجل كان يردد دوما أنه لم يسع للرئاسة ولم يكن يرغب فيها وإنما جاء بناء على "استدعاء" من الشعب و"تكليف" منه. فتعامل مع الشعب المصري بطريقة "الغاوي ينقط بطاقيته" فلم يقم مؤتمرا شعبيا  واحدا خلال حملته الانتخابية التي لم أفهم أبدا ما هو مغزاها طالما أنه رفض الاعلان عن برنامج انتخابي واضح كما أنه لم يقبل الدخول في مناظرة مع خصمه الوحيد حمدين صباحي وأكتفي عوضا عن ذلك بالخروج إلي الشعب عبر شاشات التلفزيون في برامج كانت معدة سلفا بل إن إخراجها كان أقرب إلي الدعاية المباشرة منه إلي الحوار البناء. وهنا مكمن الخطأ القاتل الرابع للمشير السيسي. 
فالآلة الاعلامية الجهنمية لم تتوقف عن تفخيم ذات السيسي منذ اليوم الأول لعزل مرسي وتصويره على أنه المنقذ الوحيد لمصر من "شر الاخوان" وأن على مصر أن ترد الجميل وتطالب السيسي بخوض الانتخابات الرئاسية ليتوج ما فعله من الخلاص من الإخوان و"يتم جميله". لم يكن هناك سرا في أن الاعلام الخاص الذي يسيطر عليه رجال الأعمال قد فرض نفسه تقريبا على السيسي وعلى برنامجه وعلى شخصه تحقيقا لمصالح خاصة . واثبات أنهم "رجال الرئيس" وزينوا له بقدر لا يستهان به من الغباء كل ما قاله وكل ما فعله. بل وقاموا بتغذيه النعرات الشوفينية التي تجرم كل ما يخالفهم في الرأي أو يوجه انتقادا للسيسي. وخرجوا تارة بمسلسلات سيديهات شباب الثورة وتارة أخري بمؤامرة أبلة فاهيتا وأخيرا بنموذج سيدة "شت أب يور ماوس أوباما". أشياء جميعها كان ينافي المنطق والعقل واستهلكت الوقت والجهد في متاهات كان بالامكان تفاديها بقليل من الحكمة وقليل من الصدق مع النفس. فسقط السيسي بسيف الإعلام كما سقط الاخوان بسيف الدين. 
ليس أمام السيسي وقتا لكي يضيعه وإذا كان حقا يريد أن يبدأ حقبته الرئاسية بشكل واع ولائق عليه أولا أن يستدعي حكماءه كي يستعرض أخطاءه بامانة ونزاهة وشفافية بدلا من التدليس والتهوين .. عليه يستوعب أول درس في السياسة من الشعب المصري. 

الثلاثاء، 20 مايو 2014

ثورة الهوامش ..شت أب يور ماوس



ثورة الهوامش …. شت أب يور ماوس 

هل تتذكرون المشهد الدرامي المؤثر في فيلم "خلي بالك من زوزو" والذي قام فيه مجموعة من البنات والشباب من طبقة ارستقراطية بدعوة تحية كاريوكا الراقصة العجوز لاحياء حفلة حتي يجعلوا منها أضحوكة ويسخروا منها ومن ابنتها التي قامت بدورها الجميلة الراحلة سعاد حسني والتي تخلع ملابس الهوانم وتبدأ في الرقص أمامهم وهي في الحقيقة لم تتعري لترقص أنما كانت تُعري شلة طبقة الارستقراطية من زيفهم وتجردهم من الأنسانية… 
هذا المشهد تكرر بحذافيره في منتدي دبي للاعلام الذي وجه الدعوة للسيدة المصرية البسيطة مني البحيري للمشاركة في المنتدي بدعوي أنها تمثل ما وصف بثورة الهوامش في الإعلام. ومني البحيري لمن لا يعرف هي تلك السيدة المصرية البسيطة التي اشتهرت بفيديو "أوباما شت أب يور ماوس" حيث وجهت رسالة إلي الرئيس الامريكي تدعوه فيها إلي عدم التدخل في الشأن المصري أصرت أن تكون باللغة الأنجليزية حتي تصل الرسالة إليه . 
مني هذه السيدة البسيطة الحاصلة علي دبلوم تجارة هي مثال لما نسميه إعلاميا "رجل الشارع". فهي تتمتع بتلقائية وعفوية وبساطة متناهية في عرض قضيتها. وبالطبع هذا هو المحتوي الذي ينبغي لأي إعلامي محترم أن يركز عليه. فمبادئ الإعلام الراقي -كما تعلمتها-  تقتضي أن نفكر في المحتوي وتفاعل المتلقي معه وجزء من تفاعل المتلقي مع المحتوي هو التوحد مع الشخصية المحورية. وعلى ذلك فاستقراء رأي رجل الشارع يعد أضافة ثرية ومهمة لأي محتوي إعلامي. 
لكن ما حدث مع مني البحيري غير ذلك. فبدلا من التركيز على عرض قضيتها ورأيها بشكل مهني بدأ الإغراق في التركيز على الطرفة والدعابة في كلامها ألا وهو عدم اتقانها اللغة الانجليزية والجسارة التي تتحدث بها التي تثير قدرا من الانبهار الممزوج بالسخرية. التعامل مع هذا العنصر بشكل عرضي يمكن أن يكون عنصرا جذابا في الإعلام لبعض الوقت وفي الوهلة الأولي حيث لا توجد شبهة استغلال لهذا الجانب وهذا الجانب دون غيره. 
وقد تابعت مثل الملايين المصريين "مني" التي اصبحت تلقب بالسيدة الخضراء نسبة إلي الخمار الذي ترتديه دوما والذي تقول إنها لا تملك غيره بقدر كبير من الدعابة بل وضحكت مثل الكثيرين على طريقتها الجسورة فى الحديث باللغة الانجليزية التي كسرت كل قواعدها و"براءة الأطفال في عينيها" … كل هذا في حدود المقبول والمعقول. وحتي ما قامت به بعض القنوات الفضائية من استضافة السيدة مني في إطار الفضول الكبير الذي رافق الفيديو المنشور لها يبقي معقولا ومقبولا وتحويل حوارها إلي "كوميكس" هو نتاج طبيعي لثورة المحتوي الإعلامي. 
لكن غير المقبول ولا المعقول والذي ينتهك ليس فقط ابسط القواعد الإعلامية المحترمة ولكن أبسط القواعد الإنسانية هو أن يتم استغلال هذه السيدة لتلعب دور "الأراجوز" أو "القرد أبو صديري" كي يتضاحك عليها من يفترض فيهم أنهم إعلاميون أصحاب مهنة ذات قيمة. ولم اتمالك شعوري بالصدمة حين رأيت الإعلامي اللبناني المعروف نيشان ديرهاروتيونيان يقف بجوارها وهي تدلي ب "حديث صحفي " ليضحك عليها ويتغامز من خلفها في مشهد رخيص أساء إليه كثيرا إعلاميا وإنسانيا أيضا. 
والمثير للأسى أن السيدة "مني غانم المري" المدير العام للمكتب الإعلامي في حكومة دبي ورئيس اللجنة العليا المنظمة لمنتدي الإعلام العربي عندما سئلت عن مغزي استضافة مني البحيري أمعنت في التبرير لهذه السقطة بالقول إنها جاءت في إطار ندوة ثورة الهوامش وأنها ـ أي مني البحيري - سوف تتواجد ولن تشارك في جلسات المنتدي كونها "ظاهرة" افرزها الإعلام الجديد وجعل منها نجمة في الوقت الراهن !!
ولدي عدد من الأسئلة في صميم مهنة الإعلام إذا ما كانت جحة "مني المري" هي الإعلام وخدمة الإعلام وفتح نقاش ثري للظواهر الإعلامية… ما هي القيمة الإعلامية لوجود مني البحيري في المنتدي ؟ ولماذا كان من الضروري أن تتواجد مني البحيري بنفسها في ندوة كان من الممكن ببساطة أن تناقش الموضوع دون وجود "الجثة" كما نقول ؟ ولماذا وكيف اقنعتم هذه السيدة بأنها أصبحت نجمة ومحط اهتمام كبير وأنها أصبحت إعلامية يشار إليها بالبنان لتقف في وسط بهو قاعات المنتدي لتدلي بدلوها وتكرر أرائها السياسية الذي باتت مقتنعة أنها ذات قيمة كبري؟  ولماذا سمحت لأنفسكم باستغلال هذه السيدة المصرية إنسانيا واستغلال بساطتها وسذاجتها؟ وما هو المبرر الأخلاقي لذلك ؟ 
والسؤال الأهم كيف سمحت مصر ورئيس وزراءها إبراهيم محلب الذي شارك في المنتدي بأن يتم اختصار مصر إعلاميا ومهنيا في محفل مهم مثل منتدي دبي بهذا الشكل ؟  ومن المسؤول عن تمرير مثل هذه المشاركة الرخيصة في منتدي عربي يؤم مئات من الإعلاميين من شتي أنحاء العالم؟ 
أقولها بصوت عال … أيها الإعلاميون الذين اختصرتم مصر والإعلام فيها في ثورة الهوامش شت أب يور ماوس.   

الاثنين، 5 مايو 2014

كيف يسقط الساسة على سيف المتاجرة بالعنصرية


كيف يسقط الساسة على سيف المتاجرة بالعنصرية 
عندما سألت السيناتور كيث إليسون ..أول نائب مسلم في الكونجرس الأمريكي لماذا يثير الكثير من الجدل حوله ويخوض في قضايا شائكة يتجنبها الكثيرون من الساسة قال لي جملة مازلت عالقة في ذهني … "السياسي الذي يحاول خداع الناخبين ويغشهم ويحاول إخفاء الحقائق وتجنب المواجهة سياسي فاشل ويقدم مستوي ضعيف ومتواضع في مجال الخدمة العامة. المجتمع الذي يلتزم بمبدأ العدالة للجميع يجب على أن يؤمن بهذه الافكار بكاملها دون انتقاء بعضها." 
لم أنس هذه العبارة أبدا. وتذكرتها مجددا وأنا أقرأ قبل أيام تصريحات السياسي البريطاني ديفيد بيشوب والتي قال فيها معتذرا " لقد أدركت الآن أن من يتصدي للعمل العام عليه أن يثبت جدارة ويسعي إلي توحيد المجتمعات لا أن يفرقها. أرجو أن يغفر لي أهالي دائرتي الافتقار إلي صواب الحكم". 
كان هذا جزءا من بيان الأستقالة من العمل السياسي الذي تقدم به "بيشوب" الذي اعتذر بشكل واضح لا ريب فيه عما وصفه هو شخصيا ب " الإساءة الحقيقية" التي ارتكبها وقال إنه لن يتنظر من أبناء دائرة "برنت وود ساوث" في مقاطعة إيسكس أن يمنحوه أصواتهم في الانتخابات المحلية الحاسمة التي ستجري في الثاني والعشرين من شهر مايو الجاري. 
أما "الجريمة الإنتخابية" التي ارتكبها ديفيد بيشوب فكانت تغريدتين علي توتير.. نعم تغريدتين فقط لا غير خسر الرجل بسببهما مستقبله السياسي وعضوية حزب المحافظين الشريك الأكبر في الإئتلاف الحكومي البريطاني. 
الأولي كانت "مزحة سخيفة" تهكم فيهاعلى المثليين جنسيا" ثم اعقبها بتغريدة أخري في السابع والعشرين من إبريل (أي بعد يومين فقط من تسميته مرشحا في انتخابات البلدية عن حزب المحافظين) قال فيها إن "الإسلام هو دين السلام والأغتصاب" في إشارة لاعتقال أربعة رجال مسلمين متهمين باغتصاب فتاة في الرابعة عشرة من عمرها.  وكانت التغريدة الثانية هي التي كلفت بيشوب الكثير. 
ربما لم ينتبه حزب المحافظين إلي التغريدة الأولي التي كتبها بيشوب عن المثليين جنسيا والتي كتبها في الثالث عشر من شهر ابريل الماضي. أي قبل إعلان ترشيحه ممثلا عن الحزب لكنه بمجرد إعلان ترشيحه نظر إليه الجميع بنظرة مختلفة وكانت التوقعات منه تلقائيا أن يتحلي بقدر من المسؤولية المجتمعية كسياسي حتي ولو كان على مستوي محلي. 
لم يلتفت الحزب إلي كون "ديفيد بيشوب" يعمل DJ في أحدي الأذاعات المحلية ولم يتحدث الناس عن إن عمله في مهنة ترفيهية تقلل من شأنه في المجتمع ولا تسمح له بأن يكون له عمل جاد مثل العمل السياسي. ولم يطلب منه أحد أن يتخلي عن وظيفته التي يتقاضي منها راتبه لكن عمله العام كان بالتأكيد شأنا يخص الجميع دون استثاء .. الحزب …المجتمع ….الإعلام … ومتابعي الرجل على توتير. 
ولقد دخلت بالفعل على حساب ديڤيد بيشوب على موقع توتير في محاولة مني للتعرف على جوانب أخري من شخصيته فوجدت أن الحساب قد تم حذفه تماما. لكن بقيت ردود الفعل الغاضبة على تغريداته موجودة واللافت أن معظمها كانت من غير المسلمين. قالت له أحدي المتابعات وتدعي "ڤايوليت" : أرجو أن تكون قد تعلمت الدرس أن التنميط ووصم الآخرين في المجتمع لا يمكن أن تؤدي إلي التفرقة. أتمني لك التنوير والسلام والحب. وقال متابع أخر يدعي أنتوني ويعيش في نفس دائرته الأنتخابية مستنكرا : "الإسلام دين الأغتصاب؟ هل لديك أدني فكرة عن الجرائم التي ارتكبت زورا باسم المسيح؟" وبالطبع كانت هناك العديد من الردود التي وجهت الأتهام لديفيد بيشوب بالعنصرية والأنحياز ضد الأقلية كما كان هناك اتهامات إلي حزب المحافظين بإساءة اختيار مرشحيهم علي الرغم من التعامل الحاسم والسريع للحزب مع الرجل. 
لم يكتف حزب المحافظين بالاعتذار الذي قدمه ديفيد بيشوب دون أي تحفظ وأنه تنازل عن الترشح ممثلا عن بل خرج "جون كرسلاك" رئيس المجموعة التي تضم الدائرة الانتخابية ليؤكد على أن " الأمر تم التعامل معه بسرعة وبشكل حاسم بما يخدم مصالح دائرة برينت وود وحزب المحافظين". وأضافت لويز ماكنلي بالقول إن "آراء السيد بيشوب تخصه لوحده ولا مكان لها في الفريق. لقد أتخذ القرار الصحيح
لم استغرب كثيرا ردود الفعل السريعة التي جاءت من حزب المحافظين بطرد الرجل من قائمة المرشحين بل وحرمانه من عضوية الحزب. فهذه الإنتخابات مهمة للغاية وحاسمة وتعتبر امتحانا كبيرا للائتلاف الحكومي الذي لا يعرف أحد كيف يقيمه رجل الشارع في بريطانيا. فالائتلاف بدأ ب" كوراث انتخابية" ثم نجح في استعادته توازنه خلال الاشهر القليلة الماضية وتمكن من إحراز " نجاحات إقتصادية" بتقليل العجز في الموازنة ونسبة البطالة. وهذا هو الاهتمام الأكبر بالنسبة للناس العاديين. 
لكن التهديد الأكبر بالنسبة لحزب المحافظين  الذي يميل إلي سياسات يمين الوسط هو حزب بريطانيا المستقلة UKIP الذي بات يؤرق الكثيرين من الليبراليين في المجتمع البريطاني لصعود نجمه في الأونة الأخيرة والذي يتوقع له الكثير من المراقبين أن يحقق نجاحات كبيرة في الانتخابات المحلية التي ستجري في الثاني والعشرين من مايو ليدخل من هذه البوابة إلي البرلمان الأوروبي. 
لا يشك الكثيرون في الدوافع " الخبيثة" لحزب بريطانيا المستقلة وميله نحو العنصرية وهي تهمة لا يتهاون معها الكثيرون في المجتمعات الأوروبية. وهذا هو السبب بالتحديد الذي جعل الحزب يوقف عضوية "هاري پاري" الطامح للفوز بدائرة أوفرتون بعد أن ارتكب "جريمة انتخابية" تماثل جريمة ديڤيد بيشوب حيث قال على حسابه على توتير إن "الإسلام شر والمثلية الجنسية أمر حقير". وهاري پاري ليس المرشح الأول الذي يتم منعه من الترشح للانتخابات نائبا عن حزب UKIP. فقد اضطر مرشح أخر هو ويليام هينوود إلي التخلي عن طموحه السياسي بعد أن تهكم أيضا علي حسابه علي توتير علي الممثل الكوميدي الأسود "ليني هنري" الذي طالب بوجود المزيد من الوجوه السمراء في الصناعات الابتكارية. فما كان من ويليام هينوود أن رد بتغريدة قال فيها إن على"ليني هنري" أن يهاجر إلي بلد أسود كما شبه الإسلام بالرايخ الثالث. 
والأسوأ من ذلك أنه حين سأل عن تغريداته قال هينوود في أحد برامج بي بي سي "إذا جاء السود إلي هذه البلد ولم يختلطوا بالمواطنين البيض لماذا يعيشون هنا وإذا كان ليني هنري يرغب أن يري الكثير من السود حوله لماذا لا يذهب ليعش في بلد مواطنيه من السود؟ " 
أثارت هذه التعليقات زوبعة من الادانة من الأحزاب الأخري بدأت بوزير الصحة عن حزب المحافظين چيريمي هانت الذي وصف هذه التعليقات بأنها عنصرية ومثيرة للقرف. كما قالت هيلاري بن وزيرة المجتمعات في حكومة الظل عن حزب العمال إن التعليقات جارحة ومهينة وهجوم يفتقد إلي الروح البريطانية علي شخص بريطاني مثله مثل أي شخص"  
أما "نيك غريفين" زعيم الحزب البريطاني القومي ذي التوجهات اليمينية المتطرفة فكان الوحيد الذي دافع بالطبع عن هينوود قائلا إن العنصرية الحقيقية هي أن تمارس هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ومن خلفها الساسة البريطانيون الاستقواء والتنمر على المواطنين البريطانيين العاديين قائلا إن هؤلاء سيصبحون أقلية فى بلدهم"
من السهل جدا أن يتحدث الساسة بما يحلو لهم على تويتر ويعلقوا بما شاءوا بتصريحات بلهاء قد تثير إعجاب الحمقي أمثالهم. من السهل والمغري أيضا أن يوجهوا اهانات للاقليات الدينية والعرقية والتهكم علي شرائح معينة في المجتمع. لكن هناك الكثيرون جدا ممن يقال عليهم " التيار السياسي الأصيل" سيرفضون ذلك كله شكلا وموضوعا ليس لأنهم أكثر نبلا أو ترفعا فعالم السياسة لا يعرف هذه المفردات الطنانة لكن هذا التيار الذي يطلق عليه Mainstream يدرك ببساطة فداحة ثمن العنصرية لقد اكتوت المجتمعات في أوروبا عقودا بنيران الحقد والكراهية ونبذ الأخر. وكلفتهم العنصرية البغيضة الكثير من البشر والمال في حربين عالميتين عاشوا ولاياتها عقودا. يعرف الجميع بمن فيهم من تغريه "عنصريته" بأظهارها أن ثمن العنصرية باهظ للغاية حتي ولو كان مجرد تغريدة علي موقع تويتر أو تصريح في برنامج إذاعي. 

الخميس، 1 مايو 2014

في بلاد الكفر



عن الوطن والمواطنة في بلاد الكفر 
وقفت أمام الموظف النحيف ذي النظارات الرفيعة وأنا في منتهي الارتباك والحيرة. من فرط توتري أخذت أعرض أمامه الأوراق التي في يدي واحدة تلو الأخري بسرعة وبدون ترتيب وأنا أشرح له ما جاء بي إلي ديوان جوازات السفر.. 
"جواز سفري محجوز في السفارة الأمريكية لغرض الحصول على تأشيرة دخول لغرض العمل وأنا مسافرة غدا في رحلة عمل أيضا إلي مصر وليس لدي جواز سفر أدخل به بريطانيا بعد عودتي" 
أخذ يفحص الأوراق التي قدمتها له علي مهل وبعد عدة دقائق ردها إلي قائلا إن إحداها غير أصلية والمكتب لا يقبل النسخ. أضاف بتهذيب شديد: " أسف لا استطيع أن مساعدتك" 
عرضت عليه جواز سفري المصري .. قال : إذا لا مشكلة. قلت: بلي كيف سأدخل إلي بريطانيا بعد عودتي من مصر ؟ رد ببساطة ماعليك سوي أن تقدمي لهم عند دخول البلد النسخة المصورة من جواز سفرك البريطاني وسوف يسمحون لك بالدخول بعد أن تشرحي لهم الموقف. سيسمحون لك بالدخول لا داعي للقلق … نظر إلي مجددا بهدوء وقال : لديك جنسية بلد أخر هي مصر والقانون البريطاني يسمح لك بذلك. وأضاف مبتسما: لا تقلقي يا سيدتي أنت بريطانية مثلي تماما ! 
تسمرت أمامه لبرهة وكأنني اكتشف للمرة الأولي أنني "بريطانية". شعرت بغصة في حلقي .. لا أعرف إن كانت من فرط التوتر الذي عايشته على مدى الساعات القليلة التي سبقت هذا الحوار أم لأنني أشعر بالفعل من التأثر من فكرة أنني بالفعل "مواطنة بريطانية"
شعور غريب بالفعل أن تشعر بالانتماء لوطنك الأم تعيش معه بقلبك وجوارحك وانفعالاتك وتعيش في وطن أخر تعمل فيه وتنجح وتتقاضي منه راتبك. والأهم من كل ذلك أن تشعر أنك مواطن لك نفس الحقوق وعليك نفس الواجبات. ومع ذلك يبقي داخلك شئ مختلف لا يقنعك جواز السفر الأحمر الأنيق ـ الذي يحمل شعار ما كان يوما أمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ـ بأنك جزء من هذا البلد. 
بريطانيا تمنح جنسيتها لمن يدخل البلاد بشكل شرعي بعد خمس سنوات يثبت فيها الشخص أنه يعمل ولديه ما يثبت أنه من "دافعي الضرائب". والحقيقة أنني طالما توقفت أمام فكرة أن يكون "العمل هو معيار المواطنة" .. العمل والعمل وحده هو جواز مرورك لكي تنتمي إلي "وطن" 
ليس مهما محل ميلادك ولا من هم أبويك وما هي ديانتك وتوجهاتك السياسية … المهم أن "تعمل" وأن تكون "مواطنا صالحا" بأداء ضريبة الدخل عن ما تتقاضاه من راتب. 
لن يسألك أحد في "بلاد الكفر" هذه عمن تكون أو عن ديانتك أو عن أبوك أو أمك أو إن اسمك محمد أو بطرس أو شالوم. لن يسألك أحد عن مهنتك هل أنت مذيع أو صاحب متجر أو عامل في شركة لجمع القمامة. كل ذلك لا يهم لأن المهم هو العمل واحترام قيمة العمل. وعدم التهرب من أداء الفروض القانونية. على مدي الاسابيع الماضية شهدت الساحة البريطانية جدلا سياسيا ساخنا كانت بطلته وزيرة الثقافة ماريا ميلر المتهمة بالتلاعب في دفاتر المخصصات المالية لها كعضوة في البرلمان. ويطالب الكثيرون بأقالتها على الرغم من أنها اعتذرت علانية عن وجود مغالطات في سجل المصروفات والتي ردتها ميلر لخزانة مجلس العموم علي الفور. لكن العامة في بريطانيا رأوا أن الوزيرة يجب أن تكون مثالا يحتذي به في الالتزام بالقانون. وعليه فيجب عليها الاستقالة وبالفعل استقالت من منصبها الوزاري.  
وفي قضية أخري رفض أعضاء بارزون في مجلس اللوردات وهو بمثابة "هيئة تشريعية استشارية" رفض التصديق علي نص قانون أقره البرلمان يسمح للحكومة البريطانية بنزع الجنسية البريطانية عمن يثبت تورطهم في أعمال إرهابية. ليس لانهم يساندون الأرهاب لكن لأن نزع الجنسية والمواطنة أمر جلل وكبير. 
بهذه المبادئ الراسخة بنت وتبني الأمم حضارتها. لذا أتعجب كثيرا مما اشهده الأن علي الساحة المصرية من امتهان لقيمة العمل واهدار لقيمة المواطنة. الجميع لم يعد الشغل الشاغل لهم سوي من سيكون غدا في كرسي الرئاسة وانخرط الجميع وتباروا في كيل التأييد لذلك المرشح أو ذاك. الاعلام والرياضة والشارع والمقاهي وتوتير وفيسبوك لم يعد يشغلهم من هموم الوطن سوي تأييد السيسي أو توجيه السباب أو الشتائم له. لا اعرف هل اصبح لدي مصر ذلك الفائض من الطاقات والأموال التي نرصدها لقضية واحدة فقط  السلطة وكرسي الرئاسة تحديدا وشخص الفريق السيسي ونعتبر أنه أما مصدر لكل سعادة أو أصل كل الشرور؟ 
أقول هذا وأنا أتعجب أن نصف مليون سوري في مصر الأن معظمهم وجدوا طريقا بشكل أو بأخر للعمل. فصاحب السوبر ماركت علي ناصية الشارع الذي اقطن فيه رجل سوري وجارة قريبتي سيدة سورية محترمة تكسب قوت أولادها ببيع المأكولات السورية الشهية المجهزة نصف تجهيز للجارات والصديقات اللاواتي يعملن وليس لديهن وقت للطهي أو أولئك المرفهات واللاواتي يفضلن قضاء الوقت أمام التلفزيون وغيرهن. وقبل أيام قالت لي صديقة أن حلاقا أردنيا يقوم بحلاقة شعر الرجال والأولاد في المنازل لانه لا يمتلك محلا ويتقاضي نصف ما يتقاضه الحلاق في المحل المجاور. 
وأنا لا أود بالطبع أن أقلل من شأن الرجال والنساء المصريين الكادحين الشرفاء وعملهم وجدهم. كما أن أشارتي لوجود الأخوة السوريين أو الاردنيين في بلادنا ليست أشارة خبيثة بأي حال. فانا نفسي مصرية وأعيش في بلد أوروبي واعمل فيه ولي ما للبريطانيين وعلي ما ما عليهم. لكنني اشعر اليوم بخيبة الأمل من كثير من المصريين الذين اختصروا قيمة العمل في مظاهرة .. اختصروا المطالبة بالحقوق بالشتائم والسباب. واختصروا الحوار المجتمعي في برنامج تلفزيوني .. اشعر بالأسي من الذين أختصروا الوطن في رجل وأعداء الوطن في جماعة