Translate

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

شبح "كيلي" وانتصار الأكاذيب

 "ديفيد كيلي" قفز في ذهني الاسم فجأة مثل الشخصيات الأسطورية وأنا أتابع تفاصيل تفاعل الغرب مع تطورات الأزمة السورية وما قيل عن استخدام الاسلحة الكيميائية في ريف دمشق. ولمن لا يعرف "ديفيد كيلي" فلهم العذر فالرجل لم يرد اسمه في الأخبار سوي مرات قليلة تعد علي الأصابع لكنها - في رأيي -  كافية كي يحفر اسمه في ذاكرة الكثيرين وكافية لكي يعود الاسم ليلاحق الكثيرين في صحوهم ويقض مضاجهم بالليل  مثل الأشباح . 
"ديفيد كيلي" لمن لم تسعفه ذاكرته هو مفتش الاسلحة البريطاني الذي سرب (علي الأرجح) معلومات الي هيئة الاذاعة البريطانية BBC تفيد بأن مسؤولين في الحكومة البريطانية تلاعبوا بأدلة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لتبرير غزو العراق.
بدأ الجدل بتقرير اعتيادي  لمراسل BBC أندرو غيليغان يؤكد أن "مصدرا كبيرا" في المخابرات ابلغه أن الحكومة البريطانية آنذاك بزعامة "توني بلير" تلاعبت بمعلومات استخباراتية بشأن العراق. قامت الدنيا ولم تقعد بعد ذلك التقرير الذي لم يستغرق اذاعته على الهواء أكثر من دقيقتين اثنتين.    
لم تهدأ الزوبعة واتخذت ردود الفعل تتوالي وتتصاعد. ومارس "بلير" شخصيا ضغوطا غير مسبوقة علي BBC وعلى مراسلها للكشف عن المصدر ... هذا المصدر الذي فضحه وفضح كذبه أمام العالم .
تشبث "غريك دايك" المدير العام لهيئة الاذاعة البريطانية بحق المراسل في عدم الكشف عن مصدره وأعلن أن BBC مستقلة ولن تخضع لتهديدات أي كانت ..لكن ضغوط الحكومة استمرت في التصاعد والتصعيد بحجة أن الامر يتعلق بالأمن القومي البريطاني وحين يتعلق الامر بالأمن القومي فعلي الجميع أن ينصاع وينسي حقوق المواطن في المعرفة وحقوق الصحافة في أن تكون سلطة رابعة أو تكون لها استقلالية.
كانت معركة شرسة بحق استخدم فيها" بلير" نفوذه وحيله وسلطاته ودهاءه. وكان له ما أراد. 
لم يتوقف "توني بلير" لحظة لنفي الكذب الذي لاحق حكومته ومسؤوليه. لم يعترف أبدا بأن حكومته لفقت أدلة علي وجود أسلحة دمار شامل في العراق لتبرير الغزو. تجاهل كل ذلك وأصبح نصب عينيه شئ واحد أن يعرف من الذي وشي به وأن يعاقب BBC ومراسلها ومديرها علي التجرؤ علي التسبب في إحراج كبير لحكومته وجعله مضغة في أفواه أصدقائه قبل أعدائه . وصمم على الانتقام وكان له ما أراد . لوقت غير قصير لم يسمع احد شيئا في أروقة BBC ولا الصحافة عن "أندرو غليغان" حتي ظهر فيما بعد ككاتب متواضع في احدي الصحف اليمينية . انتهي مستقبله في BBC وطال الوقت أم قصر وبعد حرب خفية أطيح كذلك  ب "غريغ دايك" من منصبه كمدير عام في صفقة لم يعرف أحدا بنودها حتي اليوم علي الرغم من أنه كان واحدا من انجح المديرين وأكثرهم ألمعية علي الاطلاق. أما "ديفيد كيلي" فقد كشف عنه الغطاء وخضع لاستجواب برلماني قاس وتم وقفه عن العمل ووجد مقتولا أو منتحرا بقطع شرايين رسغه بعد نزهة بمفرده في مقاطعة أوكسفورد شاير حيث كان يعيش حياة هادئة. 
رواية تصلح بامتياز لانه تكون فيلما يحصد جوائز عالمية ونهاية مأساوية تليق برواية شكسبيرية. 
مات "ديفيد كيلي" أو قتل لا يهم لكنه بقي وسيبقي شاهدا علي إرادة الكذب والتدليس عندما تنتصر علي الحق والأمانة.  بقي شاهدا علي أن الغرب عندما يريد يفعل مهما كان الثمن. وأن المبادئ والحقوق وقواعد الديمقراطية يمكن أن تذهب لأول سلة قمامة اذا ما أرادت القوة الغاشمة أن تقول كلمتها. 
لست مغرمة بالحكايات والروايات ولكني مولعة بقراءة المواقف ورصدها. 
ويبدو أن الغرب لا يكلف نفسه مشقة إبداع تجارب جديدة عندما يتعامل مع العالم العربي. أصبح وجهة مكشوفا لدرجة أنه لا يأبه حتي بتأليف رواية جديدة أو تلفيق أدلة. لا يهم إن جاء مفتشون دوليون عن سلاح كيميائي بتقرير يدين نظام بشار الاسد أو المعارضة أو طرف ثالث. فالنتيجة محسومة سلفا وتقارير الاستخبارات الامريكية في التنصت علي ضباط الجيش السوري وهم يتحدثون عن سلاح وأسلحة كيميائية  جاهزة في ورقة ما في درج ما في مكتب ما لمسؤول ما في الادارة الامريكية وعدا ذلك لا يهم. 
لا يهم أن يسأل أحد لماذا انتظر بشار الاسد الي أن يأتي المفتشون الدوليون الي دمشق في عقر داره ليشن هجوما بالسلاح الكيميائي علي الغوطة التي تبعد عدة كيلو مترات عن قلب العاصمة السورية. لا يهم أن يسأل أحد عن الاستفادة التي يمكن أن تعود على بشار والحكمة في أن يورط نفسه في ذلك في هذا الوقت بالذات بقضية من هذا النوع . لا يهم أبدا أن يتحدث أحد عن المنطق في أن المعارضة السورية هي المستفيد الوحيد من تحريك القضية بعد تراجع الغرب عن التسليح المباشر لها. لا يهم أن يضع أحد احتمال أو فرضية أن الاسلحة الكيميائية قد وقعت في يد القاعدة أو جبهة النصرة أو غيرها.  لا يهم أن يقول العقلاء أن نظام بشار قتل ويقتل كل يوم اضعاف وأضعاف القتلي في الغوطة. لا يهم كلام الخبراء العسكريين من أن توجيه ضربة عسكرية محدودة لبشار وجيشه سيجعل منه بطلا وضحية لا مجرما يستاهل العقاب.
لا يهم كل هذه الفرضيات التي  يطرحها بالمناسبة اليوم رجل الشارع في الغرب وليس رجل الشارع العربي. 
القضية باختصار أن السيناريوهات جاهزة وخطط التقسيم معدة والتدخل قادم قادم ولتسقط عاصمة عربية جديد ويضيع ما تبقي من شعب صمد للتنكيل والقتل والتشريد على مدي عامين ونصف. ولتنتصر إرادة الكذب. 

هناك 5 تعليقات:

  1. القصة فعلا اتعملت فيلم امريكي مش فاكر اسمه بس كان لصحفي ريتشارد جير قام بدوره و زوجته كانت تعمل في اروقة السي اي ايه .. خالد النبوي كان مشارك بدور عالم ذرة عراقي

    ردحذف
    الردود
    1. الحقيقة أنا لا اعلم شيئا عن الفيلم لكن تعقيدات الحياة تثبت لنا أنها أقوي دراما

      حذف
  2. الفيلم اسمه fair game .... بطولة شون بين و نعومي واتس ..

    ردحذف
  3. كلامك بيؤكد ان الغرب اكثر دناءه و حقاره مما كنا نعتقد الا اننا لابد ان نعترف انهم اكثر منا دهاءو مكرا ايضا. نعم كتب على العرب ان تسقط مدنهم مدينه بعد الأخرى و لكنى يا سيدتى لا ألوم الا العرب انفسهم. حكام و ساسة الغرب يمارسون احط الجرائم ويتحايلون على القوانين الدوليه يتحالفون مع الشياطين من اجل تدمير شعوب المنطقه العربيه الغنيه و حكام العرب يفعلون الشيئ ذاته و لكن من اجل مصالحهم الشخصيه و من اجل نفس الهدف ... تدمير شعوب المنطقه العربيه. اين ثروات الحكام العرب؟ اين استثماراتهم؟ حدثينى عن نظم التعليم فى الوطن العربى؟ عن صناعة السلاح؟ عن زراعاتنا و قمحنا؟ عن السياحه؟ عن قضية فلسطين؟ عن تبنى تغييب العقل؟ وتذكرى أننا كنا يوما اصحاب حضاره برعنا فى الفلك والطب و فنون الحرب و ادارة المدن والموسيقى و صناعة الغزل و النسج و الزجاج والنحاس و الكيمياء .. كنا سادة العالم يوما ما... و تنبه الغرب لخطرنا فاستيقظ ... و عدنا نحن الى خيامنا لننام من جديد

    ردحذف
    الردود
    1. صحيح لا ينبغي أن نلوم سوي انفسنا

      حذف