قالت لي صديقتي ورفيقة عمري بحماس: " إحنا عارفين مين اللي معانا ومين اللي ضدنا.. الجزيرة ضدنا .. العربية معانا .. أنتو ضدنا.. " ضحكت قليلا وقلت لها مستنكرة : احنا ضدكم ازاي يعني؟ ولماذا نكون ضدكم وما الذي يجعلك تقولين ذلك؟" ردت علي بشكل مباشر .. نتابع ونستمع ونعرف أنكم لستم معنا .. أنتم مع الأخوان" لم تكن هذه المرة الأولي التي أواجه التهمة التي الصقتها بي صديقتي التي تربطني بها درجة قرابة أيضا.. ولم تكن المرة الوحيدة التي تلاحق المؤسسة التي أعمل بها هذه السمعة.. والحقيقة أن شخصا ممن يتابعونني علي توتير قال لي نفس الكلام تقرييا قبل أيام.. "نعرفكم تساندون الأخوان.. أصلا القناة دي ..... طالعة من رحمكم ابنتكم". فرددت عليه مازحة: "لا خلاص تبرأنا منها".
علي مدي سنوات طويلة عملت بها فى الإعلام اعتدت علي هذه التهم وهذه التصنيفات هذا معنا وهذا ضدنا. فإرضاء الناس إعلاميا غاية لا تدرك في كثير من الأحيان. لكن التهم تزداد وتتعاظم في أوقات الاستقطاب السياسي والتناحر والفرقة والتجاذب بين الاطراف المتصارعة. وخاصة عندما تكون المواقف رمادية ومتشابكة ويصعب فيها تحديد موقف قاطع. هنا تكون التهم جاهزة ومتسارعة. وقد اعتدنا علي ذلك لدرجة أننا نضحك ونقول طالما جميع الأطراف تكيل لنا الشتائم فنحن على الطريق الصحيح.
وهذا لا يعني أن الإعلام برئ ولا يخطأ وكاتبة هذه السطور تقع كغيرها تحت طائلة الخطأ لكن الضمير المهني هو المرجع في نهاية المطاف. وقد اعتدت علي تشبيه الإعلامي بالطبيب الذي يجب أن يصارح المريض بحقيقة مرضه حتي لو كانت قاسية. فيستحق في نهاية الأمر ما لا ذنب له فيه ..لعنات المريض وغضب أهله ومحبيه.
وأذكر جيدا عندما ذهبت إلي موريتانيا لتنظيم دورة تدريبية للزملاء الأذاعييين وسمعت أغرب شيء في حياتي. قال لي أحد المتدربين إن إذاعة بي بي سي شهدت انحسارا كبيرا فى نسبة الاستماع إبان حرب العراق. سألته لماذا قال لي لأنها كانت تقول الحقيقة المجردة دون مجاملة أو تزييف. كنتم تقدمون صورة صادقة لما يحدث علي الأرض وقد شعر الشعب الموريتاني الذي كان مغرما ب "صدام حسين" بالصدمة لانهيار نظام حكمه فصب جام غضبه علي بي بي سي وتوقف عن سماعها وأخرسها. أي أن بي بي سي دفعت ببساطة ثمن نقل الحقيقة المجردة الصادمة. هذا وللتاريخ فقد كانت هذه المؤسسة العريقة والعاملين فيها من أشد المعارضين لغزو العراق ودخلت فى صراع مرير مع حكومة توني بلير انتهت بفوز بلير مرحليا لتسدد إليه ضربة موجعة بعد سنوات.
لا أود أن أعطي دروسا فى المهنية ومصداقية الأعلام. لكنني أتوقف قليلا أمام المهمة التي أصبحت مستحيلة اليوم - مهمة الاعلام. ولا شك أن الوضع في مصر اليوم من أصعب قضايا الساعة التي تواجه الأعلاميين اليوم … وضع فريد بكل المقاييس وعلي ذلك فارضاء جميع أطراف المعادلة يعد ضربا من ضروب الخيال. كما أن نقل جميع وجهات النظر بحيادية وتجرد غاية لا يمكن الوصول إليها بسهولة.
في الأزمة السورية وعلي مدي شهور طويلة واجه الأعلاميون صعوبة كبيرة فى نقل ما يحدث فى داخل البلد لشح المعلومات وانعدامها تقريبا. السبيل الوحيد لدخول البلاد عن طريق نظام بشار الأسد وعلي ذلك فعليك أن تنقل وجهة النظر التي يراها ويوافق عليها النظام وفي المقابل إذا ما رغبت في المجازفة ودخول المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة يصبح لزاما عليك نقل وجهة نظرها دون سواها.
لكن الوضع المعقد فى مصر عكس ذلك تماما. فإذا كان شح المعلومات يجعل من نقل الصورة الحقيقية من داخل سوريا صعبا. فغزارة المعلومات وتدفقها انهارا فيما يتعلق بتطورات الأحداث في مصر بشكل متسارع يجعل مهمة الإعلاميين مستحيلة. فالجميع نصب نفسه مذيعا وصحفيا ومحللا سياسيا وحكما وقاضيا. الجميع يمتلك حسابا على تويتر أو فيسبوك وبامكانه أن ينشأ منتدي ويكون لديه ألاف من المتابعين حتي وإن لم يكن يعمل بالإعلام أصلا. لدي الجميع خاصية الشير وتنزيل الصور من علي الانترنت ورفعها علي موقعه أو صفحته. يعرف الجميع مواقع كبريات الصحف العالمية ويستعين ب خاصية غوغل ترانسليشن لنقل ما يريد من أراء وتعليقات.
كل هذا الصخب يجعل من مهنة الإعلام مهنة صعبة للغاية. فماذا تبقي للإعلام كي يقدمه بعد أن تستهلك مواقع التواصل الاجتماعي جميع الأخبار بعد ساعات من ورودها؟ وكيف يمكن للإعلام أن يقدم شيئا جديدا متميزا عن كل الموجود على مواقع التواصل الإجتماعي ؟
علي مدي الأيام القليلة الماضية واظبت في القاهرة على شراء جميع الصحف المصرية وشعرت بالرثاء لها. فالتغطية الأخبارية استهلكت فى برامج التوك شو والمواقع الأخبارية فلم يعد من تميز لهذه الصحيفة أو تلك سوي أقلام بعض الكتاب والمحللين. وحتي ذلك لم يعد له القداسة التي كانت لعمود أنيس منصور أو مصطفي أمين. ولم يعد القارئ ينتظر هذا الكاتب أوذاك فما الدافع لذلك. فقد تبادل الجميع الأراء والصور والبوستات وأصدروا الأحكام فى الليلة السابقة فلم يتبق للصحف سوي البقاء على أرصفة النسيان -إلا من رحم ربي.
علي مدي الأيام القليلة الماضية واظبت في القاهرة على شراء جميع الصحف المصرية وشعرت بالرثاء لها. فالتغطية الأخبارية استهلكت فى برامج التوك شو والمواقع الأخبارية فلم يعد من تميز لهذه الصحيفة أو تلك سوي أقلام بعض الكتاب والمحللين. وحتي ذلك لم يعد له القداسة التي كانت لعمود أنيس منصور أو مصطفي أمين. ولم يعد القارئ ينتظر هذا الكاتب أوذاك فما الدافع لذلك. فقد تبادل الجميع الأراء والصور والبوستات وأصدروا الأحكام فى الليلة السابقة فلم يتبق للصحف سوي البقاء على أرصفة النسيان -إلا من رحم ربي.
ومع ذلك لا يبقي الإعلام البديل دون خطايا تماما كما أن الأعلام التقليدي لم يكن أبدا دون أخطاء . فالجميع أصبح يتذكر الأن كيف أن صورا لمشاهد فى وقعت في سوريا تم نشرها علي أنها من رابعة وأن شريط فيديو تم اذاعته علي أنه لوقائع اقتحام مركز شرطة في الدقهليه لم يكن كذلك. وعدد ممن يروجون لصور ووقائع مغلوطة باللغة الانجليزية لمخاطبة الغرب أصبحوا معروفين علي فيسبوك وتويتر وتمت ملاحقتهم بتهم الكذب من قبل المتابعين والراصدين لهم وتم فضحهم باللغة الانجليزية أيضا وعلي نفس المواقع وبنفس السلاح .
في خضم كل ذلك يبقي علي عاتق الإعلام التقليدي خاصة المكتوب مهمة مستحيلة. أن يقدم المميز والصحيح ويبتعد عن المزايدات. فى الفترة الماضية وخاصة فيما يتعلق بالأزمة المصرية تعملت ما لا اتعلمه في سنوات طويلة من العمل الإعلامي. تعلمت أن العملة الجيدة تطرد فى النهاية العملة الرديئة وأن الرخص والمزايدات لا مكان لها حتي وإن بدا غير ذلك لأول وهلة. تعملت أيضا أن الامكانيات الهائلة والصيت وشبكة المراسلين لا تصنع بالضرورة إعلاما جيدا وكنت اتشكك دوما في ذلك لكني أؤمن اليوم بأن المهارات الإعلامية والصدق والامانة في النقل أهم بكثير من الأموال والامكانيات. تأكدت أيضا أن الأزمات الكبيرة علي صعوبة التعامل معها تفرز الأعلام الجيد المحترم من الإعلام المنحاز المغرض. وأهم ما تعلمته أن في الإعلام - كما هو في الحياة -" الكذب مالوش رجلين".
احيادية صعبة التحقيق في معظم المجالات و إن كانت في الإعلام فهي أصعب لان كل من لا ويافقه الكلام يهاجم بعدم الحيادية ،،، انا من المعجبين جداً بقناة البي بي سي و قد يكون من الصعب عليكم انتم العاملون بالدلو برأيكم الشخصي في بعض الموضوعات اللتي تهمكم مباشرة لكي لا تكال التهم للقناة ،،، أعانكم الله و لكم كل الدعاء بالتوفيق
ردحذفاشكرك جدا علي التعليق. نحاول قدر المستطاع وربنا يعين :)
حذفAlso, media is very good in brainwashing. Like the Arabic saying "الزن على الأذن أمر من السحر"
ردحذفأيون أكيد :) شكرا يادكتور
حذفبالنسبة لبي بي سي هي قناة الوحيدة الذي تنقل الاحداث بطريقة صحيحة حسب وجه نظري أما باقية قنوات و خاصا جزيرة هي قناةلاخوان اينما وجد
ردحذفشكرا علي تقديرك نرجو أن نكون علي قدر المسؤولية
حذفحتى أكون صريحا معك يوجد فرق كبير بالحرفية والحيادية والسبق الصحفي بين الراديو والتلفزيون
ردحذفاتفق معاك في هذا الرأي
حذفعراقة البي بي سي هي التي تصنع الفرق استاذة صفاء
ردحذفنتمني أن نكون عند حسن الظن يا معين !
ردحذفالبي بي سي أصابت الحقيقة كثير وسقطت في بعض قليل
ردحذفالصراحة كلام جميل من حضرتك ويستحق الإشادة والعمل بة
البي بي سي أصابت الحقيقة كثير وسقطت في بعض قليل
ردحذفالصراحة كلام جميل من حضرتك ويستحق الإشادة والعمل بة