ليلي والذئاب ..
لعنة الختان تلاحق الفتيات في الغرب
لم يفهم المارة في أحد مراكز التسوق المزدحمة في لندن لماذا انهارت "ليلى حسين" الشابة الصومالية الجميلة باكية والحسرة تعتصر قلبها. وقفت وفي يديها بعض الاوراق التي تثبت أن ما تركته وراءها في بلادها من إرث ثقيل يلاحقها مثل الكابوس في هذه البلاد البعيدة.
وقفت "ليلى" في هذا الصباح أمام المرآة وارتدت ثوبا فضفاضا بالوان تضاهي ألوان الشمس واعتمرت على رأسها شالا إفريقيا أنيقا. بحثت في داخلها على حفنة من الشجاعة كي تواجه الحقيقة كما هي دون أي رتوش. لكن التجربة اثبتت لها أن الحقيقة ابشع بكثير مما تصورت ومما تحتمل.
جاءت "ليلى" في الصباح إلي أحد مراكز التسوق وفي يديها أوراق إلتماس زائف تطالب المارة بالتوقيع عليه تأييدا لختان الاناث في بريطانيا باعتبار أنه جزء من الثقافة والتقاليد الصومالية والاسلامية. لم تغرق كثيرا في التفاصيل لكنها كررت علي مسامعهم كلمة "بتر" لتؤكد علي حقيقة ما تنطوي عليه هذه العملية. جاوبها المارة بالقول "نعم.. نعم".
في خلال نصف ساعة فقط تمكنت "ليلى" من الحصول على تسعة عشر توقيعا علي إلتماس يؤيد عملية ختان الإناث باعتبارها جزءا من الثقافة الصومالية الاسلامية. شخص واحد فقط رفض التوقيع وعدد بسيط من الموقعين كتبوا تعليقا بجوار التوقيع قالوا فيه إنهم يدركون أن هذه العملية خطأ لكنهم يؤيدونها طالما أنها جزء من الثقافة الاصلية التي تنتمي اليها "ليلى".
انهارت "ليلى" لم تستطع اكمال هذه التجربة الغريبة. كيف يمكن لأي شخص أن يؤيد "بتر" جزء حساس من جسد طفلة لمجرد مزاعم بأنه جزء من الثقافة الاصلية لعرق أو دين ما ؟ عايشت ليلى البالغة من العمر اثنين وثلاثين عاما بنفسها عندما كانت طفلة تجربة التعرض للانتهاك الجسدي وتروي في وثائقي للقناة الرابعة في التلفزيون البريطاني كيف أن أربع نساء قمن بأجراء عملية الختان لها عندما كانت في السابعة .. "كنت واعية تماماً لما يحدث" تروي ليلى في ألم " كنت أشعر بكل قطع وحشي انتهك جسدي ظللت أصرخ من فرط الألم حتى اسودت الدنيا في عيناي وفقدت وعيي". أسست "ليلى" قبل أعوام جمعية "بنات حواء" في محاولة منها للتعريف بمخاطر هذه العادة المدمرة لحياة الفتيات لكنها تشعر أن جهودها في ملاحقة المسؤولين عن تلك الممارسة في بريطانيا غير مجدية.
وعلي الرغم من أن القانون البريطاني جرّم ختان الإناث منذ عام الف وتسعمائة وخمسة وثمانين مازالت الأرقام والإحصائيات تؤكد أن مثل هذه العمليات تجري في بريطانيا. وتشير الإحصائيات من المستشفيات والمراكز الطبية إلي أن حوالي ستة وستين ألف امرأة في بريطانيا أُجريت لهن عملية الختان ومعظم الضحايا ينتمين للأسر المهاجرة من الصومال ومصر والسنغال والسودان. وتتكشف معظم هذه الحالات لدي معاودة المراكز الطبية من مضاعفات الختان مثل بلل الفراش ومشكلات الدورة الشهرية والولادات المتعسرة ناهيك عن المشكلات الجنسية التي غالبا ما تحجم النساء من هذه العرقيات عن ذكرها.
خلال سنوات طويلة من العمل في برامج المرأة روي لي عدد من أطباء أمراض النساء والتوليد العرب الذين يعيشون ويعملون في بريطانيا كيف يواجهون حالات نساء اجريت لهن عملية الختان تسبب لهم صدمة في غرف التوليد أو لدي الكشف عليهن أثناء الحمل والولادة وكيف أن الجهاز التناسلي الخارجي بأكمله يكون مبتورا في حالات ما يسمي بالختان الفرعوني الرائج لدي الأسر الصومالية والسودانية. لكن تظل هذه الحالات مسكوتا عنها. فلا يوجد ما يلزم الأطباء والقابلات العاملين في بريطانيا بالابلاغ عن هذه الحالات.
ولا يقتصر الأمر على النساء اللاواتي جئن كمهاجرات إلى بريطانيا وأجريت لهن عملية الختان في بلدانهن الأصلية لكن الأمر أصبح يتهدد الجيل الثاني من الفتيات والبنات اللاواتي يولدن في أسر مصرية أو سودانية أو صومالية. ويقدر تقرير رسمي قام باعداده مجموعة من أخصائي الصحة في انجلترا وويلز من أن نحو اربعة وعشرين الف فتاة وطفلة يعشن في بريطانيا قد تجري لهن عملية ختان سواء داخل بريطانيا أو في بلدانهن الأصلية التي ينتمي إليها أسرهن. حيث لا توجد هيئة رقابية حكومية لملاحقة من يروجون لهذه الممارسة.
وتقول "جانيت فايل" الاستشارية لدى الكلية الملكية البريطانية للقابلات إنه لا توجد هيئة حكومية تلاحق مرتكبي هذه الجريمة. وتطالب "جانيت فايل" باعتبار الختان نوع من الإساءة "الاجرامية" للبنات يعاقب المسؤولون عنها بمقتضي القانون كما تطالب المستشارة "فايل" التي تعرض هذا الأسبوع التقرير الخاص بختان الأناث في بريطانيا أمام البرلمان البريطاني بإلزام العاملين في القطاع الصحي بالإبلاغ عن أي حالة أي فتاة تجري لها عملية ختان أو حتى الفتيات اللاواتي قد يكن عرضة لمثل هذه العملية. والذهاب الي ابعد من ذلك وانتهاج سياسة توعية بمخاطر الختان الصحية وآثارها النفسية والجسدية على البنات كتلك الحملة لمواجهة مرض الإيدز.
لكن الطريق ليس ممهدا أو سهلا. وأكبر عقبة أمام وقف هذه الممارسة في بلد يدعي أنه صاحب أعرق الديمقراطيات فى العالم يكمن في الديقمراطية نفسها التي تخشي ما يسمي ب "الحساسية العرقية والدينية". فبريطانيا التي تضم اليوم مهاجرين من كل الأعراق والتي أصبح الدين الإسلامي فيها قبل عامين الديانة الثانية بعد المسيحية حيث يقارب عدد المسلمين ثلاثة ملايين نسمة - تخشى ما قد ينظر اليه علي أنه تدخل من الدولة في شأن عرقي أو إسلامي.
وإلي أن يدرك القائمون علي هذه السياسات أن ختان الإناث ليس من الأسلام في شيء وأنه جريمة لا تغتفر تحت أي مسمي عرقي أو ثقافي ستبقي الذئاب تلاحق ليلى.
للأسف يركض الكثير من الناس خلف الأهوام ولا يهتمون بما تسببه مثل هذه العمليات من اثار نفسيه وجسديه بشعه على بناتهن الذين تظل محفوره في اذهانهن وعقولهن واجسادهن اثار هذا العدوان على جسدها الصغير ما بقيت
ردحذف