Translate

الأحد، 2 فبراير 2014

بين الكفن والحذاء



غالبا ما أجد صعوبة في الحديث عن شؤون شخصية عندما اتحدث عن قضية ما .. ربما لأنني تربيت في مدرسة إعلامية تعتبر أن أظهار الجانب الشخصي من قضية ما يخل بمصداقية الطرح ويجعلك طرفا في القضية وبالتالي أفضل ما يفعله الصحفي والإعلامي أن يطرح القضية بتجرد ويحاول جاهدا أن يعطي الفرصة لكل طرف في أن يبدي وجهة نظره طالما أنه يفعل ذلك في حدود اللياقة وأنه لا يزيف الحقائق. 
لكنني بعد سنوات من العمل الإذاعي والصحفي تعلمت أيضا أن لكل قضية عادلة وجها انسانيا وأن الإنحياز للمبادئ ليس فيه ما يسيء أو يشين. وأن قول نصف الحقيقة أسوأ من الكذب. 
ولا يمكن أن يمر شهر يناير في كل عام دون أن أتذكر أن هذا الشهر المفعم بالبرد والمطر وهبني أكبر منحة يمكن لأنثي أن تحصل عليها.. منحة الأمومة.. كان يوما فارقا في حياتي كنت قبله إنسان وأصبحت بعده إنسان آخر. مخلوق بعثر الكثير وغير كل شئ في قلبي وعقلي وقناعاتي وقضاياي ومشاعري وأفكاري.. باختصار لم تعد الدنيا بالنسبة لي كما كانت. 
وتمر سنوات كثيرة في عمري ولا أنسي هذا اليوم بل وأتأمل كيف أضافت الأمومة لحياتي الكثير وجعلتني أكثر فهما للحياة وأكثر تعلقا بها كيف جعلت مني كيانا مختلفا يشعر أن له أمتداد في الكون. ولا أظن أنني اختلف كثيرا عن الأمهات في هذه المشاعر لكنني وجدت في أمومتي الهاما للدفاع عن حياة الأطفال وسعادتهم وحقهم في الحياة والتعليم والصحة… حقهم في أن يعيشوا دون خوف أو ألم. حقهم في أن نحميهم حتى من أهواءنا الشخصية ومبرراتنا. 
لذلك لم يكن من السهل على أن أري صورا التقطت في ميدان التحرير لأطفال يحملون فوق رؤوسهم أحذية عسكرية في أشارة على تأييد ذويهم للجيش وقادة الجيش وربما عرفانا بجميل يشعر أباءهم به. شعرت بكثير من الصدمة من هذا الاستغلال المسيء للأطفال في قضية لا تخصهم ولا تعنيهم وليست من عالمهم. بالضبط كما أصدرت مجلة سمير ـ هذه المجلة التي تربي عليها ملايين من جيلنا - قبل شهور عددا يحمل صورة سمير وهو يرتدي الزي العسكري. من الذي سمح بمثل هذا الاستغلال السيء لمجلة يفترض أنها تخاطب عقول الأطفال ؟ وعاد الى مخيلتي هذا المشهد المريع عندما شاهدنا حمل أطفال في عمر الزهور أكفانهم في اعتصام رابعة لجماعة الأخوان المسلمين. من أعطي الحق لهؤلاء أن يرتكبوا هذه الجريمة نعم الجريمة بحق هؤلاء الأطفال كيف لأم أن تجعل من ابنها أو ابنتها وقودا لحرب سياسية ؟ كنت اسأل نفسي 
اتذكر أن أول مرة شاهدت فيها أطفالا يرتدون الزي العسكري كانت تظاهرة لحركة حماس في استعراض للقوة ضد إسرائيل منذ سنوات طويلة. كان الكثيرون يرون في صورة الطفل بالزي العسكري شجاعة وبسالة وأن عصابة الرأس التي تحمل الشهادتين هي بالضرورة مبرر لأبيه وأمه علي عدالة القضية التي اقحموا أطفالهم فيها. وتكررت مثل هذه المشاهد مع الثورة السورية ولم يكتف الآباء والأمهات بالزي العسكري الذي أصبح "موضة قديمة" في استغلال الأطفال فجربوا تقنية أكثر فاعلية فرأينا أطفالا رضع في المهد وبجوارهم بنادق الكلاشنيكوف عوضا عن زجاجة الحليب واللعبة. 
والمثير للأسي أن يتناقل الناس هذه الصور علي أنها صور للشجاعة والبسالة وعدالة القضية. لكنها ليست كذلك ابدا ولن تكون وعدالة أي قضية أو زيفها لن تتعزز بمظهر طفل يحمل كفنه أو يضع حذاء عسكريا فوق رأسه. هذه المشاهد في الواقع لا تشير سوي لعقلية قاصرة تعتبر الطفل مثل الدمية آداة لتحقيق غرض وليس انسانا له مشاعره وشخصيته وعالمه. والأكثر من هذا أنها تزج بالطفل في قضية لا تعنيه ولا تخصه وتغامر بأمنه وسلامته البدنية وسلامة النفسي. ناهيك عن حملات التشويه العقلي التي يتعرض لها ليتبني أفكارا ومباديء ليست أفكاره وليست مبادئه ولا تتناسب مع عمره وتفكيره. اتركوا اولادكم بسلام اتركوهم في مدارسهم وملاعبهم. اتركوهم يشربوا الحليب ويلعبوا بالعروسة والعربية حتي لا نجد أحدهم يحمل يوما حزاما ناسفا ليقتل به دون أن يدري تماما كما فعلت فتاة أفغانية في العاشرة من عمرها ذلك قبل أيام. أولادكم ليسوا لكم أولادكم أبناء الحياة.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق